أرجو أن أمهد لرأيي هذا بالرصد التالي عن الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان، خلال الستين عاماً الماضية، مع تحليل بالأرقام حتى أجانب الرأي العاطفي غير الموضوعي، وأحالف الرأي العقلاني المنطقي: أول حكومة وطنية قبل الاستقلال جاءت عبر انتخابات نزيهة عام 1953 بواسطة لجنة انتخابات برئاسة الهندي سوكومارسون كانت برئاسة اسماعيل الأزهري في الفترة من1954/1/6حتى 1956/1/1(الوطني الاتحادي) -الحكومة الثانية برئاسة الأزهري أيضاً من1956/1/1 حتى 1958/7/5 (الوطني الاتحادي). - الحكومة الثالثة برئاسة عبد الله خليل من 1958/7/5 حتى17 1958/11/ (حزب الأمة) - الحكومة الرابعة برئاسة الفريق عبود من 1958/11/18 حتى 1964/10/30 (حكومة عسكرية) - الحكومة الخامسة برئاسة سر الختم الخليفة من 64/10/30 حتى 1965/6/2 (جبهة الهيئات). - الحكومة السادسة برئاسة محمد احمد محجوب من 1965/6/10حتى 1966/7/25 (الأمة). - الحكومة السابعة برئاسة الصادق المهدي من 1966/7/27حتى 1967/5/18 (حزب الأمة). - الحكومة الثامنة برئاسة محمد أحمد محجوب من 1967/5/18حتى 1969/5/25 (الأمة). - الحكومة التاسعة برئاسة بابكر عوض الله من 1969/5/25 حتى 1969/10/27 (ثورة مايو). - الحكومة العاشرة برئاسة جعفر نميري من 1969/10/28 حتى 1971/10/12 - الحكومة رقم (11) برئاسة جعفر نميري من 1971/10/12حتى 1976/8/11 - الحكومة رقم (12) برئاسة الرشيد الطاهر بكر من 19676/8/11 حتى 1977/9/10 (ثورة مايو). - الحكومة رقم (13) برئاسة جعفر نميري من 1977/9/10حتى 1985/4/6 - الحكومة رقم (14) برئاسة الجزولي دفع الله من 1985/4/22حتى 1985/12/15 (الانتفاضة) - الحكومة رقم (15) برئاسة الجزولي دفع الله من 1985/12/15 حتى 1986/5/16 (الانتفاضة) - الحكومة رقم (16) برئاسة الصادق المهدي من 1986/5/16 حتى 1989/6/30 (الأمة) - الحكومة رقم (17) برئاسة البشير من 1989/6/30 حتى اليوم (ثورة الانقاذ). سبع عشرة حكومة منذ 1954 حتى اليوم أي حوالي ستين عاماً.. خلال هذه الستين عاماً حكمت حكومات حزبية وقومية لمدة 14 عاماً فقط، وكانت كل الحكوات الحزبية ائتلافية بصورة أقرب الى القومية- أي حكم الحكومات القومية أو الائتلافية كان يشكل فقط 23% من سنوات الحكم الوطني، والباقي وهو 46 عاماً كان حكماً شمولياً أو عسكرياً... 95% من التنمية تحقق في فترة ال46 عاماً هذه، والتنمية تشمل من 1954 حتى اليوم التوسع في مشاريع الزراعة في الجزيرة، والمناقل، والرهد، وحلفا الجديدة.. المشاريع المطرية في جبال النوبة والقضارف، والدالي والمزموم، ودلتا طوكر، والقاش، ومشاريع الشمالية وغيرها.. شملت التنمية كل صناعات الزراعة مثل مصانع السكر الحالية، ومعاصر الزيوت، والمدابغ، وشملت مشاريع الزراعة في الجنوب، ومصانع النسيج في الشمال والجنوب، مثل أنزارا، ومناشير قطع الأخشاب في الجنوب في كتري، وشملت صناعات تحويلية استراتيجية نوعاً وموقعاً، خاصة فترة حكم عبود في كل من مصنع كريمة للتعليب، ومصنع الكرتون، وتجفيف البصل في كسلا وأروما، ومصنع ألبان بابنوسة، ومصنع تعليب واو.. شهدت التنمية في تلك السنوات إنشاء الخطوط الجوية والبحرية السودانية، وادخال التلفزيون الملون، وقاطرات الديزل، وامتدادات خطوط السكة الحديد حتى واو وأويل في الجنوب، شملت التنمية أيضاً إنشاء السدود الحالية، وإنتاج الكهرباء والتوسع الزراعي في كل من الروصيرص، وخشم القربة، وسد مروي، وتعلية خزان الروصيرص، وقريباً اكتمال سدي أعالي عطبرة وستيت، وارتفع التوليد الكهربائي من 350 ميغاواطاً قبل خمسين عاماً الى 5000 ميغاواط اليوم- أي حوالي خمسة عشرة ضعفاً- شهدت التنمية في فترة ال46 عاماً هذه كل الجسور والطرق السريعة الحالية، وشهدت التنمية الإضافة النوعية الهائلة للاقتصاد باكتشاف واستخراج وتصدير البترول الحالي، الذي بلغ حتى اليوم قرابة الأربعمائة ألف برميل في اليوم، ولكن وبكل أسف شهدت الفترة نفسها تدهوراً مريعاً في الزراعة، خاصة بعد اكتشاف وتصدير البترول الذي لم يصرف منه أي شيء لتطوير الزراعة، خاصة مشروع الجزيرة الذي كان العمود الرئيسي الذي تقوم عليه البلاد لأكثر من أربعين عاماً، وهذه نكسة كارثية يمكن معالجتها بعد استئناف تصدير البترول، واستغلال الجزء الأكبر من عائداته في إعادة الحياة الى مشروع الجزيرة، والمشاريع الأخرى وإعادة الحياة الى وزارة الثروة الحيوانية، والصناعات التحويلية للزراعة والثروة الحيوانية في فترة العامين المتبقيين حتى أبريل 2015م. أخلص الى أن كل الحكومات القومية والائتلافية الحزبية فشلت في تحقيق أي تنمية ليس لنقص في كفاءة أو وطنية من قادوا تلك الحكومات، لكن بسبب عدم الاستقرار السياسي والنظرة الحزبية الضيقة بعيداً عن المصلحة العليا للوطن، كل الانقلابات العسكرية التي حدثت تهيأت لها ظروف موضوعية أدت الى قيامها ونجاحها في الاستيلاء على الحكم بسهولة دون إراقة دماء كما حدث ويحدث الآن في العالم من حولنا، خاصة العربي والأفريقي، لم تجد كل الانقلابات العسكرية الثلاثة في السودان أي مقاومة، بل كانت تجد ترحيباً من المواطنين كل الأحزاب التي حكمت في فترة ال14 عاماً لم تكن ديمقراطية، ولم تسع لتعميق معاني الديمقراطية السامية المتجردة.. ألم يسلم عبد الله خليل الحكم في انقلاب على حكومته الى الفريق عبود عام 1958 في نوفمبر، ولما يمضي على حكمه أربعة أشهر بعد أن تأكد أن الأزهري سوف يعود الى الحكم في جلسة البرلمان يوم1958/11/17 وهو يوم انقلاب 17 نوفمبر الشهير.. ألم تحل أحزاب الوطني الاتحادي والأمة، وباصرار غريب من الأزهري الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه، وعددهم أحد عشر فازوا في انتخابات حرة نزيهة في العام 1965م.. لذلك فإن كل الانقلابات الثلاث العسكرية حدثت بعد فترة وجيزة من الانتخابات.. انقلاب عبود عام 1958 بعد انتخابات 1956- نميري 1969 بعد انتخابات 1968 الانقاذ 1989 بعد انتخابات 1986م، وهذا يؤكد فشل الأحزاب السياسية السودانية خاصة الكبيرة الأمة والاتحادي الديمقراطي في إعمال الديمقراطية الصحيحة واستدامتها، وإن الانقلابات لا تأتي من فراغ، بل بعد أن تتضافر كل العوامل لتهيئة أجواء الانقلابات من إحباط وعدم تنمية ورفاهية للشعب بالرغم من الحريات المتاحة في الديمقراطية، كل ذلك بسبب الصراعات المستمرة حتى اليوم داخل الأحزاب.. الأمر الذي يبعدها كثيراً عن رغبات وتطلعات الجماهير خاصة في الأمن والاستقرار، الذي يؤدي الى الوهن الذي يصيب القوات المسلحة، والقوات النظامية الأخرى. لذلك أي مطالبة من المعارضة بحكومة قومية من أحزابها الحالية بكل صراعاتها وتشظيها ما هو إلا محاولة للركوب في قطار سائر منذ أربعة وعشرين عاماً في سكة طويلة مرة تهدئ ومرة تعدي، وفي التهدئة سيكون ركوبهم في عربة النوم بعيداً عن القاطرة المحركة لكل القطار حتى يروحوا في ثبات عميق لا يفيقون منه إلا عند توقف القطار في المحطة التي يختارها قائد القطار.. لذلك أنا لست مع أي توجه لحكومة قومية..أنا مع الآتي: أولاً تكوين حكومة متجانسة مؤهلة من عضوية المؤتمر الوطني فقط، ولا داعي لأحزاب التوالي الحالية، خاصة التي لاتملك عضوية مؤثرة في الجماهير وزراء الاتحادي الأصل الحاليين مواجهون بثورة عارمة داخل حزبهم الجماهيري، والغالبية من جماهيره ضدهم وضد مشاركتهم. ثانياً تقوم الحكومة الجديدة وهي من عضوية المؤتمر الوطني فقط بإزالة كل الاخفاقات والسلبيات الماضية، والتي تحجب الإيجابيات الكثيرة، وذلك في برنامج أو مصفوفة منذ اليوم وحتى ابريل 2015 لانجاز الآتي: مصالحة الشعب ورفع المعاناة وغلاء الأسعار الارتقاء بالخدمات خاصة في التعليم- بسط الحريات كاملة دون تردد أو وجل، وقف كل الحروب في جنوب كردفان والنيل الأزرق فوراً بإعمال الاتفاقية الإطارية.. تنفيذ مصفوفة الاتفاقات التسع مع دولة الجنوب وخلق علاقة اخوية حقيقية.. حل مشكلة دارفور بالجلوس مع حاملي السلاح المؤثرين واقعاً على أمن واستقرار دارفور.. تكوين لجنة لصياغة دستور دائم برئاسة وعضوية خبراء أجانب من الهند، مصر، وبريطانيا، وقانونيين سودانيين مشهود لهم بالتجرد والنزاهة، ومنحهم اللجنة فترة زمنية حتى نهاية العام الحالي، وتعرض مسودة الدستور لمدة ثلاثة أشهر على كل الأحزاب السودانية لابداء رأيها فيها، وتعاد كل تلك الملاحظات الى اللجنة العليا لصياغة الدستور في شكل نهائي حتى يونيو 2014م، وبذلك تمنح كل الأحزاب فترة قرابة العام لإعداد نفسها وترتيب بيتها استعداداً لانتخابات حرة تاريخية باشراف أممي في منتصف العام 2015م... مطالب الأحزاب معلومة، ومطالب الجماهير واضحة، والحكومة الحالية ليست في حاجة الى مؤتمر دستوري، أو حكومة قومية للاستجابة لها إن هي أرادت هذا المخرج..