تردي الاوضاع الإقتصادية في السودان نتيجة لسياسات يشوبها قدر كبير من قصر النظر انسحبت على تردي في كافة المجالات الخدمية في السودان ومن ثم طبيعة ونوع الخدمات التي تقدمها تلك المؤسسات او التي تقع على عاتقها مثل المستشفيات على سبيل المثال. نجد أن تقليل الإنفاق على مثل هذه المرافق الحساسة والهامة على حساب الإنفاق على قطاعات اخرى وضع هذه المؤسسات على محك التصفية من قبل الدولة وبالتالي وضع قطاع كبير من الفقراء والمستفيدين من مثل هذه الخدمات وهم معظم جماهير الشعب السوداني وضعهم على حافة الموت والمرض حيث أن مجانية العلاج قد صارت غير متوفرة في بلد مثل السودان تمتلئ خزانته بأموال عائدات الذهب والبترول. أما صحة الأمومة والطفولة فهي علي المحك حيث لا تجد أدنى اهتمام من وزارة الصحة. كثير من القضايا الأكثر تعقيداً في السودان نتجت من خروج قطاعات مهمة وخدمية من الصرف علي الميزانية العامة وذلك علي حساب تضخم جهاز الدولة وتخصيص الجزء الأكبر من الميزانية لجهات بعينها أو تجنيبها لخدمة مؤسسات جهاز الدولة المترهلة.بالنظر إلى طبيعة المستفيدين من التردي الذي اتسمت به المرافق الحكومية في السودان نجد أنهم إما رأسمالية طفيلية لديها مصالح مرتبطة بمتنفذين في الدولة أو رموز فساد لديها أموال هي بصدد غسلها من خلال استثمارها في هذه القطاعات.عليه نجد أن الحقيقة الظاهرة بجلاء لكل الناس أن هذه الخصخصة للمرافق الصحية والحكومية هو عمل ممنهج ومحمي من قبل الدولة حيث أن الهدف الأساسي منه هو ايجاد بديل لتلك المؤسسات متمثل في المستشفيات الخاصة التي ظهرت كنبت شيطاني بالقرب من المستشفيات الحكومية ومن حولها وهي في الأساس مستهدفة المواطن الذي لم يجد الرعاية الكافية ولا العلاج في المستشفيات الحكومية عليه يجد نفسه مضطر لبيع حواشته في مشروع الجزيرة أو بيع أغنامه في كردفان ودارفور أو التوسل لأحد أقاربه المغتربين لتوفير المال اللازم لعلاجه. السؤال الذي يتباد ر إلى الذهن، هل توفر هذه المستشفيات الخاصة رعاية طبية وعلاج حقيقي لهؤلاء المرضي؟ إليكم هذا المثال..نقل صديقي إلى احدى المستشفيات، اثر تعرضه لوعكة صحية مفاجأة تمثلت في آلام حادة بالبطن ومغص متواصل.. ونسبةً لأنه يعمل في شركة بترول أجنبية مؤمنة بالمستشفي المعني تم حجزه بالمستشفى المعني ومن ثم قام الطبيب بعمل فحوصات أولية أشارت إلي اصابته بالتيفويد بعدها أوصاه الطبيب الأخصائي باستعمال علاج التيفيويد. لم تتم الاستحابة للعلاج وظلت الأعراض مستمرة وذلك بعد خمس أيام من احتجازه بالمستشفى.بعد ذلك قام الطبيب بعمل فحوصات جديدة أشارت إلى اصابته بالملاريا الخبيثة مع العلم انه من سكان الخرطوم وليس الدالي والمزموم.. وأوصى الطبيب هذه المرة بالكينين وقد استغرق ذلك خمسة أيام أخرى في اليوم العاشر أوصي الطبيب بخروجه من المستشفى مع وجود الأعراض المرضية السابقة وقد بلغت فاتورة العلاج 12 مليون بالقديم. الملاحظ من هذا السياق هو استهداف أموال المواطن السوداني من قبل المستشفيات الخاصة دون تقديم رعاية طبية حقيقية ومن أين لهم بمثل هذه الرعاية بعد هروب كل الكوادر الطبية المؤهلة من السودان . أما الأخطاء الطبية فأصبحت سمة مميزة للممارسة الطبية في المستشفيات الخاصة حيث يوجد اخصائيون بالأردن لمعالجة الأخطاء الطبية بهذه المستشفيات منهم طبيب سوداني من أم فلسطينية وأب سوداني. هناك الكثير من الأسئلة الملحة التي تطرق آذاننا من هم أصحاب هذه المستشفيات ومن أين لهم كل تلك الأموال لتأسيس هذه المستشفسات الضخمة؟ وما هو دور وزارة الصحة والمجلس الطبي في الرقابة أو دعنا نقول الحماية لهذه المستشفيات. ما هو دور الجهات العدلية من قضاء ونيابات في التصدي لجرائم المستشفيات الخاصة التي لا تقل خطورة عن الجرائم الجنائية الاخرى؟ ليس من العسير إيجاد اجابات كافية لكل هذه التساؤلات الموضوعية إذ إن الأمر يجتاج إلى القليل من المتابعة والتقصي بهذا الشأن من من هم في موقع أو حقل المهن الطبية والذين حاق بهم الضرر نتيجة لسياسات وزارة الصحة أو القائمين عليها.مما لاشك فيه ان سياسة التمكين التي تبناها المؤتمر الوطني بعد وصوله للسلطة في السودان قد ألقت بظلالها علي بيئة العمل وطبيعتها بالمؤسسات الحكومية المختلفة. وقد دفعت سياسات التمكين هذه بعدد كبير من الكادر المؤهل في المرافق المختلفة دفعتهم لمغادرة السودان والبحث عن عن لقمة العيش في بلدان أخرى. منهم على وجه الخصوص الأطباء الاخصائيين إذ أن معظم الأطباء المؤهليين وذوي التخصصات النادرة هم الآن خارج السودان. وكما نعلم جيداً فإن فان مهنة الطب هي مهنة انسانية بالدرجة الأولى بمعنى أن الحس الإنساني فيها يغلب على السعي وراء المكسب المادي من المريض.فقد دفعت السلطات هؤلاء الأطباء بعد أن يئسوا من التصدي لقهرها لهم وللمواطن على السواء ذلك بعد تكرر الإضرابات والاعتقالات دفعتهم للهجرة الجماعية خارج السودان ومن تبقى منهم وهم جلهم من كادر المؤتمر الوطني، صاروا أدوات أو سيافين لتنفيذ الأحكام ذات البعد الإعلامي الرخيص للحزب الحاكم أو مالكي المستشفيات الخاصة المحمية من قبل السلطة الذين لا يقلون عن أولئك السيافين في عمليات القتل الممنهج داحل مستشفياتهم تحت ذريعة الأخطاء الطبية لقد تحول السودان إلى بلد آيل للانهيار بفعل هذه السياسات والممارسات والتمادي فيها وعدم القدرة على تغليب صوت العقل علي صوت المصالح الشخصية الرخيصة.