غلاة الانفصال همهم الشاغل هذه الأيام الانفصال، وتعكس أحاديثهم وتصريحاتهم أن الانفصال إحتمال تنفيذه أكبر من مجرد التفكير في الوحدة، وأبقاء الحال كما هو عليه بأن يعيش الجنوب والشمال تحت مظلة واحدة هي السودان الموحد، وإن كان حزب المؤتمر الوطني يراقب الموقف بحذر شديد، ويبشر بالوحدة انطلاقاً من أن المسألة تتعلق بحرية الرأي الجنوبي، إلا أن حزب المؤتمر الوطني همه الأكبر ترسيخ معاني الوحدة الموجودة أصلاً وعدم الانقسام، وأن تظل الوحدة شمساً لا تغيب عن السودان في كل أركانه الواسعة المترامية الأطراف، مسألة انفصال الجنوب ليست بالأمر السهل الذي ينفذ بقرار رئاسي أو دستوري، أو برغبة بعض ساسة الجنوب المتشددين، ومع تسارع الأحداث الانفصال سيأتي بعواقب وخيمة، إن لم يسبق الانفصال دراسة متأنية تتناول التداعيات من كافة الزاويا المتعلقة بالنواحي السياسية، والدبلوماسية، والأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، والجغرافية وفوق كل ذلك عملية الحراك الاجتماعي والتداخل القبلي ذات الطابع الحدودي. حتى الآن مازال غلاة الانفصال يسبحون ضد تيار الوحدة ويرون ضرورة إجراء الاستفتاء على مصير الجنوب بإعتباره الفصل الأخير من اتفاق نيفاشا وهذا ما يؤكده حزب المؤتمر الوطني بأنه التزام واجب حسب ما جاء في الاتفاقية كمطلب رئيسي، لكن الواقع يقول في نفس الوقت لا توجد أي دراسة مستفيضة أو وثيقة تعكس لنا كيف يتم الانفصال، وما هي الخطوات والمراحل الأساسية لاتمام العملية بنجاح دون الدخول في متاهات ومواجهات بين الشمال ودول الجوار مع الجنوب وسياسيوا الحركة الشعبية. كما أسلفنا سابقاً الانفصال ستعقبه تداعيات خطيرة بالنسبة للجزء الجنوبي، بإعتبار أن الهدف من الانفصال بناء دولة مستقلة ذات كيان منفصل عن الشمال، علماً بأن الأمر يتطلب في المقام الأول تأييد دولياً ومساندة وإعترافاً كامل من غالبية دول منظومة الأممالمتحدة.. لذا فالأمر يتعلق قبل إعلان الانفصال وضع هيكلة الدولة وتحديد حدودها الجغرافية، واسم يعكس هويتها، وسيادتها، وسياسة مرسومة ومحددة، خارجية وداخلية.. ثم إقرار خارطة سياسية لتحديد علاقة بينها والشمال ودول الجوار.. وأجهزة ومؤسسات أمنية تحفظ التوازن بين القبائل الجنوبية والمجموعات السكانية، بالإضافة إلى معالجة أكبر قضية تواجه الجنوب.. الصراع القبلي الذي ظهر بصورة واضحة أثناء الانتخابات الأخيرة.. ولعل نتائج الانتخابات أبرزت معادلة سياسية جديدة واضحة بأن الثقل القبلي تركز في أقليم بحر الغزال، بعد أن كان موزعاً بين الأقاليم الثلاث.. أعالي النيل، والاستوائية، وبحر الغزال هذا التركيز سيلقي بظلال كثيفة على الانفصال.. ولربما يؤدي إلى صراع بين قبائل الأقاليم الأخرى وقبائل أقليم بحر الغزال، وهذه نتيجة حتمية للتناحر القبلي والصراع الأثني الذي عرف به الجنوب، ولعل ما نشاهده الآن أن عدداً من الساسة الجنوبيين يتجهون نحو الانفصال، بهدف خلق دولة تنتمي كلياً للهوية الأفريقية، بإعتبار أن الشمال هويته عربية وديانته إسلامية، لذا فهم ينظرون إلى الانفصال من منظور عرقي وديني، ومن جانب آخر غلاة الانفصال يحلمون أيضاً أن الانفصال إذا وقع للجنوب مستحقات لدى الشمال.. والإشارة هنا (قسمة السلطة والثروة)، فكيف يكون ذلك وهم يدعون للانفصال.. والسؤال هنا ماذا يضير الجنوب إذا واصل مشواره التنموي والعمراني تحت مظلة السودان الواحد؟ وفكر المتشددون للبدء في تنميته وأزدهاره في ظل الوحدة القائمة أصلاً، بدلاً من المناداة بالانفصال الذي سيفرز أثاراً سلبية، أكثر من تحقيق رغبة وذوي المصالح الشخصية، فما يحلم به غلاة الانفصال يعود بالجنوب إلى ما قبل نيفاشا حرب وسفك دماء وضياع ممتلكات. عموماً: على ساسة الجنوب أن يفكروا بحكمة وعقلانية قبل السير في طريق الانفصال.. أخذين في الإعتبار أن الانفصال سيخلق من الجنوب دولة حبيسة دون منفذ بحري أو مائي يربطه بالعالم الخارجي.. وعلى الجنوبيين النظر لتجربتي تشاد وأثيوبيا وكيف تعاني الدولتان من وضعهما الجغرافي والبيئ.. ومن جانب آخر يجب النظر إلى وضعية البنية التحتية في الجنوب المتمثلة في الطرق التي تربط الجنوب مع الشمال ودول آخرى.. بجانب ضرورة إقامة كباري مطلوبة لربط الطرق مع بعضها البعض، في مناطق تتأثر بعوامل الطبيعة وتتأثر أيضاً بمواسم التغييرات البيئة والمناخية كل عام، ولكي لا تغرب شمس الوحدة التي منذ أن وجد السودان ظلت مشرقة دائماً وحتى الآن، لذا فالمنطق يقول إن يبقى الخيار الأوحد استمرارية الوحدة مع الشمال فهي أمثل الخيارات بالنسبة للجنوب.