كثير من الأشياء يبدو مظهرها نضراً وجميلاً، ولكن ما أن تغوص في تفاصيلها إلا وتجد أن هناك كثيراً من النقط السوداء التي تصطبغ بهذا الثوب الناصع.. فتشوه صورته الزاهية . وأصلاً لا يوجد شيء كامل فالكمال لله وحده، فلابد من بعض العيوب لكل صنع البشر. والإغتراب صار سمةً بارزةً في حياة السودانيين، وانتعش مؤخراً بعد أن ضاقت سبل الحياة على الكثيرين وصار كسب المعيشة ثقيلاً، ففضّل الكثيرون أن ييمّموا وجوهم صوب بلاد الغربة ، لدول عربية كانت أو أجنبية، بل حتى ربنا سبحانه وتعالى أمر بأن يهاجر المرء إن ضاقت عليه المساحات والمسالك . والسودان الذي عُرف بأنه صار أحد منطلقات تلك الخبرات والتي تتلقفها حاجات الدول الأخرى لتستفيد منها، وبالفعل مثلما استفاد السودان دولةً ومواطنين من تلك الغربة ، استفادت تلك الدول التي أحتضنت القدرات والخبرات ، وجنت خيراً كبيراً من تلك القدرات التي أسهمت في نهضة تلك الدول ، بل وكثير من تلك الدول لا تخفي عرفانها لأهل السودان لاسهامهم الكبير في نهضتها ، كما أن الدولة أيضاً استفادت من هجرة كوادرها تلك من عدة نواحي ، فقد تكون مباشرة في شكل رسوم وضرائب ومساهمات يدفعها هؤلاء المغتربون فتدعم خزينة الدولة بالعملات الصعبة ، كما أنها خففت عن الدولة كثيراً من الضغوط بعد أن حمل هؤلاء المغتربون عن كاهل الدولة كفالتهم لأسرهم ، بل رفع مستوياتهم المعيشية، وقد كان للمغتربين دور كبير في إحداث نقلة كبرى يعيشها السودان الآن سواء معمارياً بحيث تحسنت المباني بفعل تلك الإمكانات التي يجلبها المغتربون أو حتى نمط المعيشة التي يعيشها أسر هؤلاء المغتربين. ورغم هذه الصورة الزاهية التي أوردناها عن حالة الإغتراب إلا أن ذلك لا ينفي وجود كثير من المثالب الاجتماعية والاقتصادية لاسيما وسط المهاجرين الذين تسوء ظروفهم بدول المهجر، فنجدهم يتخذون أساليب وسلوكيات قد تتنافى حتى مع قيمنا وأخلاقنا . وقد فجرت الورشة التي عقدها جهاز المغتربين بالتعاون مع الجمعية السودانية للارشاد كثيراً من المآسي التي تتستر خلف ذاك الإغتراب، وبعض السلوكيات التي تصدرمن البعض ، والتي تشوّه صورة السودان الزاهية . والدكتورة بخيته أمين تطلق صرختها في وجه جهاز المغتربين ، تجاه ظاهرة تخلّف بعض الأسر بدول المهجر بعد رحيل رب الأسر عنهم ، وما يتبع ذلك من آثار سالبة مع الأسرة والوطن، فضلاً عن وجود كثير من المغتربين الذين يفقدون وظائفهم ، فتتلقفهم الأرصفة وتدفعهم الحاجة لاتباع أساليب تكون خصماً على صورة السودان.. ود. كرار التهامي أمين جهاز المغتربين بروح رضية يرد كثيراً من اتهامات التقصير تجاه تلك القضايا ، ويطالب بأن يسلط الضوء على القضية ككل ، وكل يلعب دوره فيما يليه. ورغم أن الورشة غيّبت دور الإعلام في مناصرة قضايا أبناء السودانيين بالخارج ، وركزت على جانب الشباب إلا أنها فجرت كثيراً من المسكوت عنه وحركت سواكن تلك القضايا التي إن لم يلتفت لها يمكن أن تشكل عنصراً سالباً. بحق أفلح جهاز المغتربين والجمعية السودانية للإرشاد في تنظيم تلك الورشة ،التي إحتضنتها قاعة مأمون بحيري ، وحشدت لها كوكبة من العلماء والخبراء الذين أثروا ساحة الملتقى، فضلاً عن كثير من النماذج المفرحة التي قام بها المغتربون في الساحات الدولية ، مما جلب للسودان الثناء والتقدير، فمثل تلك الورش ظاهرة طيبة فقط يجب أن تجد التوصيات التي تصدر عنها حظها من النزول لأرض الواقع حتى يؤتي ذاك الجهد أكله.