وهل أقول وداعاً يا أغلى الرجال.. ولست أدري يا صديقي.. هل أبكي أم أغني.. والشجن أكبر مني.. والأسى يملأ صوتي ولحني.. كيف أبكي وأغني.. مهلاً.. سأغني.. سأغني.. سأغني.. وكيف لا أغني.. وأنت كنت تغني آخر المقطع للأرض الحميمة.. للظلال الزرق في غابات كينيا والملايو.. لرفاقك في البلاد الآسيوية.. للملايو ولباندونق الفتية.. لليالي الفرح الخضراء في الصين الجديدة.. يا للوجع.. يا تاج السر.. ومكتوب علينا.. كل حين.. أن نودع من أودع في أرواحنا سحراً وجسارة وفناً.. والقلب يجزع والعين تدمع ولا نقول إلا ما يرضي الله.. ومالحة الكلمات في فمي.. حزين أنا حد النحيب وأنا أرثيك يا أغلى الرجال.. ولكن هل حقاً.. قد ضمك لحد.. وغبت عنا أبداً.. لا.. أنت بيننا.. وستظل بيننا ما أشرق صبح وما جن ليل.. نواصل معك رحلة التحرر يا تاج السر وأنت تقودنا.. كما كنت تفعل أبداً.. لنملأ الوادي نشيداً وترتيلاً.. يشدو الكابلي.. بغزلك الرفيع في تلك النجوم الزواهر التي أضاءت وزينت سماء الكون.. ودوخت أيامها تلك اليانكي اللعين.. أيها الحبيب تاج السر.. يا آخر الفرسان المحترمين.. الآن أنت تصعد إلى أعلى لتلحق بمفرزة الأبطال.. ولتكمل عدد العقد المضيء الفريد.. الذي نظم روائع القصيد لأحرار العالم الذين قادوا شعوبهم للوصول إلى قلب الشمس.. ستقابل صديق عمرك ورفيق دربك المقاتل أين «عبري» جيلي عبد الرحمن.. ستعانق.. في حب وود.. علي عبد القيوم.. تنشد معه وكأنكما في ساحة «القصر».. أكفنا الراية البيضاء والسلاح.. تلتقي الجميل النبيل «الدوش» أخبره أن «الساقية لسه مدورة» أبكى معه.. عن ذاك الضل الوقف ما زاد.. حدثه في حزن.. أننا ما زلنا نفتش «ليها» في اللوحات وفي الخاطر الما عاد.. ما زلنا نفتش «ليها» في التاريخ.. وفي أحزان عيون الناس ولكن أكد له.. في صدق وتصميم.. أننا سوف «نجدها» حتماً نجدها.. حتماً نجدها.. يا تاج السر.. أيها الباسل العتيد.. وهل ننسى ذاك الزمان الباهي المترف الوسيم.. هل ننسى ريشتك المبدعة وهي توثق للشرفاء الذين لمعوا كما الشهب.. وتفجروا كما النيازك.. وكتبوا بأجسادهم المطوحة فوق شرفات العالم أرق كلمات الحنين إلى الزمن الآتي.. وهل ننسى روحك السمحة.. ومحبرتك المترعة بالنزيف وأنت تكتب عن الجماهير الصفراء وطوفان من أبناء الشعب.. يتوسطهم «سوكارنو» وهو يقسم بميدان الحرية أن أمريكا لن تصمد أمام ضربات الثوار.. وهل ننسى كيف ألهبت مشاعرنا وأدميت أكفنا بالتصفيق.. للرجال الديناميت والنساء القنابل وهم وهن يتفجرون ويتفجرن لهباً وجحيماً في وجوه الفرنسيين.. وعلى وهران يمتد سماء كل الأحرار في العالم.. نضر الله تلك الأيام.. وليتها تعود يا تاج السر.. ليعود ذاك العيد الذي كان يطل من عيون الثوار في مجاهل أفريقيا.. ويكتمل بدراً في غابات كينيا والمارد الفارسي جومو كنياتا يأتي لشعبه بالأسد البريطاني العجوز ومن ذيله.. الحبيب تاج السر.. هل تعود تلك الأيام؟.. والآن الحزن يسربلنا.. واليأس يسد كل مساماتنا.. وقد هزمنا اليانكي يا التاج.. هل من جديد نستطيع النهوض.. هل يمكن أن نشدو مرة أخرى.. معك ويا صحابي صانعي المجد لشعبي.. يا شموعاً ضوؤها الأخضر قلبي.. وداعاً.. تاج السر.. وداعاً يا أغلى الرجال..