شعب السودان هو شعب منفتح على العالم وينفعل بوعي كبير بالأحداث الوطنية والسياسية مهما بعدت عنه جغرافياً..وتظل تلك الأحداث جزءً من وجدانه وحياته اليومية ومعاشه وغنائه وسبل ترويحه،والأمثلة كثيرة من بينها إطلاق بعض الأسماء التي تجسد هذا الارتباط على أحياء المدن مثل ديم كوريا وانجولا وكمبوديا وقندهار وكرواتيا وغيرها .وفي كرة القدم كان بعض اللاعبين في ما مضى يحملون أسماء قادة التحرر والزعماء مثل ماوماو وكاوندا ولومبا ومنقستو وحتى بوكاسا ، اما في مجال فن الغناء فدونك آسيا وافريقيا التي صاغها شعراً المبدع تاج السر الحسن وراح الكابلي بصوته الرخيم يشدو(عندما اعزف يا قلب الاناشيد القديمة..ويطل الفجر من قلبي على اجنح غيمة..ساغني آخر المقطع للأرض الحميمة..للظلال الرزق في غابات كينيا والملايو...لرفاقي في البلاد الآسيوية..للملايو ولباندونق الفتية). كل هذه الخواطر جالت برأسي عندما استوقفني مقال قبل بضعة أيام وأنا اقلب عبر ال(نت)في صحيفة القدس العربي..كان بعنوان(قصة أغنية سودانية عن شهيدة جزائية اسمها فضة)...يقول كاتب المقال وهو دبلوماسي جزائري:(شاركت في ندوة ثقافية بطرابلس ليبيا،وجلست على مائدة طعام تحلّق حولها سودانيون مشاركون في الندوة من بينهم سيدة اسمها سارة،ما أن عرفت إني جزائري حتى راحت تنشد هذه الأغنية عن الشهيدة الجزائرية فضة،وهي تقول لي انه غناها مطرب سوداني كبير،وافترقنا لنشارك في جلسات الندوة ولما سألت عنها فيما بعد لأسجل القصيدة عرفت أنها سافرت.أخيراً وعبر أصدقاء سودانيين حصلت على هذه الدرة من الدرر العربية التي تغنت بثورة الجزائر وحصلت على شريط الڤيديو الذي يظهر فيه المطرب السوداني الكبير عبد الكريم الكابلي وهو ينشد القصيدة أمام جمهور كبير يبدو انه في قاعة كبيرة او ملعب.. والنساء والأطفال والرجال يتمايلون طرباً . عدت إلى بلدي الجزائر وسألت وزارة المجاهدين عن الشهيدة (فضة) فقالوا بأن اسم(فضة) كشهيدة مسجل في الوزارة بالعشرات وتشتهر به بنات جبال الأوراس، بحثت عن ناظم القصيدة فعلمت انه من البحرين..لله دركم أيها السودانيون ..فما أجمل الكلمات المختارة وما أبدع اللحن والأداء وما أعظم انفعال الجمهور الذي يدل على وعي كبير.... أغلى من لؤلؤةٍ بَضَّهْ صيدتْ من شطِّ البحرينِ لحنٌ يروي مصرعَ فِضَّهْ ذاتِ العينينِ الطَّيبتينِ لم تبلغْ سِنَّ العشرينْ واختارتْ جيشَ التحريرْ *** كتراب الحقلِ كحفنة ماءْ كعناق صديقينِ عزيزينِ كملابسِ جنديٍّ مجروحٍ مطعونٍ بين الكتفينِ لم تبلغ سن العشرين واختارت جيش التحرير *** ذاتِ الخطوات ِ الموزونهْ كصدى الأجراسِ المحزونهْ كلهاةِ الطفلِ بقلب سريرْ لم تبلغ سن العشرينْ واختارت جيش التحريرْ