لا أعني بغناء الحكومة ما حفلت به أجهزة الإعلام الرسمية وشبه الرسمية والخاصة من إذاعات ومحطات تلفزة، من برامج غنائية فاقت حد المعقول، وحد الاحتمال، وهذا أمر آخر قد نتعرض أو نعرض له في وقت آخر، لكن غناء الحكومة الذي نعنيه في هذا العنوان، هو غناء مُتخيّل، أو غير حقيقي، إذ أن الصورة الذهنية المطلوبة حتى يكتمل التصور، تتطلب أن نجعل من الحكومة شخصية مادية محسوسة ذات حس وشعور، تفرح وتبتهج، تغضب وتنفعل (تزعل وتنعل) رغم أنه ليس للحكومة قلب فهي مجرد مؤسسات وسياسات وخطط ووسائل تنفيذ لتحقيق أهداف محددة. بالأمس تخيلتُ الحكومة شخصية من لحم ودم، وتخيلتها قد اتخذت قراراً بالقيام بجولة تفقدية لمكاتبها ومؤسساتها ووزاراتها وهيئاتها ذات الارتباط المباشر بصالح ومصالح المواطنين، وعندما خرجت في جولتها تلك اصطدمت بأن أكثرية العاملين في دواوينها ومؤسساتها ومصالحها ووزاراتها وهيئاتها قد خرجوا دون عودة بعد انتهاء عطلة عيد الفطر المبارك الرسمية أمس. أسواق الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري.. وكل الأسواق الكبرى كانت نموذجاً (بشعاً) للفوضى و(الإهمال المتعمد) في أداء الواجبات، إذ أن الصورة القاتمة في الأسواق، والوضع الماثل أمام الناظر كانا لوحة مجسمة لتلك الفوضى، أطنان وأطنان من القاذورات ومخلفات البيع والكراتين وأكياس النايلون التي تغلف الألبسة والأحذية وسائر ما جرى بيعه قبيل إسدال الستار على موسم رمضان التجاري في أسواق الخرطوم. الحكومة ربما بكت من هذه الفوضى، ولكنها حتماً ستغني مع الأستاذ والموسيقار الدكتور محمد الأمين، جزءاً من أغنية (شال النوار) وتردد معه: «العيد الجاب الناس لينا ما جابك.. يعني نسيتنا خلاص» وتقصد بذلك عمال المحليات والقائمين بأمر النظافة في الأسواق. أما بالنسبة للدواوين الحكومية فقد غابت نسبة معتبرة من العاملين بها، وأحسب أنهم لن يباشروا أعمالهم إلا بداية الأسبوع المقبل، ومدارس الخرطوم -حدث ولا حرج- أعادت بالأمس تلاميذها وتلميذاتها قبل أن تتفسّح الشمس على السماء ذلك اليوم.. ولا أظن أن نسبة الحضور قد تجاوزت الستين بالمائة في كل دواوين الحكومة عدا مؤسسات الرئاسة والحكم المباشرة مثل القصر الجمهوري ووزارة مجلس الوزراء، التي لن يتغيب عن العمل فيها أحد، وربما دخلت معها وزارة أو وزارتان، ستكون (هي) أو (إحداهما) وزارة الصناعة التي يجلس على رأسها الدكتور عوض الجاز. الحكومة تغني.. والناس يغنون فرحاً وافتخاراً: وبرضو أنحنا.. أولاد بلد.. نقعد نقوم على كيفنا.