ماتزال علاقات أسمرا وأديس أبابا تشهد جموداً بسبب حالة اللا حرب واللا سلم منذ اتفاقية الجزائر التي أوقفت «حرب السنتين» بين أشقاء حزب التحرير وإعداد ما بعد التحرير هي السياسة وحدها التي لا تعرف صديقاً أو عدواً دائماً، فقط المصالح هي التي تقطع العلاقات بين البلدين، عامان من الحرب الضروس (1998-2000) كانت كفيلة بحصد أرواح الآلاف كانوا من الممكن أن يكونوا ضمن المعادل الحقيقية لإعادة بناء وتنمية البلدين عقب سقوط نظام الدرق بقيادة منقستو هيلي ماريام.. وقد شهدت الفترة (1997- 1998) تميزاً وتكاملاً غير محدود بين أسمرا وأديس أبابا.. فيما تباينت الأمور عقب مواجهات ارتريا واليمن على جزر حنيش الكبرى والصغرى، وتردى الاقتصادي الأثيوبي بسبب تكالب إرتيريا على المواد الأثيوبية، وتصديره عبر موانئها وتماطلها في تغيير عملتها النقدية.. كما كانت أثيوبيا وقتها تمني نفسها أن تجد موطء قدم في ميناء عصب القريب جداً من حدودها عوضاً عن ميناء جيبوتي المكلف، كان ذلك حجر عثرة في الحفاظ على الثقة المتبادلة.. إلى جانب ظروف أخرى أدت إلى انفجار الوضع بشكل مريع أدى إلى تدخل الأممالمتحدة بقوات حفظ السلام، وإصدار قرار التحكيم بتبعية منطقة (بادمي) إلى ارتيريا ومنطقة (زالامبسا) إلى أثيوبيا.. الأمر الذي لم يرضِ الجانب الأثيوبي الذي تقدم بمقترح من خمس نقاط، أهمها ضرورة مراعاة الحفاظ على تكوينات الأسر دون فصلها، بسبب الحدود الجديدة التي رسمتها مفوضية ترسيم الحدود الدولية، وجد المقترح رفضاً من أرتيريا.. هكذا كانت تطورات قضية علاقات أرتيريا وأثيوبيا وانعكاسات ذلك على السودان سلبياً. وفي ظل هذه المعطيات كان للسودان دور مقدر في محاولات تقليب صوت العقل والمنطق، لإعادة المياه إلى مجاريها انطلاقاً من أهمية الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، سيكون له الأثر الإيجابي للسودان الذي تناقص دوره لاحقاً بحسب الخبير الاستراتيجي دكتور جمال رستم لأسباب لخصها في التحديات التي واجهها السودان منها قضية محادثات جنوب السودان، وتطورات أزمة دارفور وجبهة الشرق، وحالة المواجهات غير المباشرة مع النظام العالمي الجديد بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي فرضت قيوداً وحصاراً على نظام الإنقاذ لأسباب وصفها الدكتور رستم باللاموضوعية، في ظل هيمنة القطب الواحد على المنطقة، وانحسار الدور المناويء لأمريكا والاتحاد السوفيتي قبل تصدعه إلى دويلات.. وأضاف رستم أن للسودان أدواراً متقدمة في محيطه الأفريقي والعربي، إلا أن الأشكاليات الداخلية حدثت في الاستمرار في لعب هذا الدور، مما جعله منكفئاً على نفسه لحلحلة قضاياه الراهنة، مضيفاً أن مبادرات خارجية سابقة منها (قطرية) عملت على دفع الحلول للقضايا السياسية في دارفور وشرق السودان، ونوه إلى ضعف الدبلوماسية السودانية التي قال إنها أضحت تدافع عن السودان بدلاً من عكس الوجه الإيجابي له. وأكد رستم أن قطر بالرغم من صغر حجمها الجغرافي إلا أنها استطاعت أن تلعب دوراً حساساً إقليمياً ودولياً لما لها من آلة إعلامية ضخمة قناة-(الجزيرة)- وإمكانياتها المادية، استطاعت أن تسحب البساط من مصر التي شهدت هي الأخرى ربيعاً عربياً وانقلاباً غير مسبوق على نظام مبارك، ولم يستبعد دكتور رستم نجاح قطر في لعب دور محوري في إعادة علاقات أسمرا وأديس أبابا.. وقال إن إمكانية نجاحها فيما فشل فيه السودان يعود للاستراتيجية السياسية التي تتبعها.. مشيراً إلى أن رحيل زيناوي لم يكن نقطة مهمة لأرتيريا في إعادة علاقتها باثيوبيا، إلا أن الكاريزما القيادية للقارة قد تكون ضمن الصراع الكامن بين البلدين في وقت ترى أثيوبيا أن أرتيريا حرمتها من الموانئ وحسبتها اقتصادياً، مما عمق الأزمة السياسية بين البلدين، وأشار رستم إلى توجس أرتيريا لتقارب السودان وأثيوبيا وتوجس أثيوبيا لتقارب السودان وأرتيريا.. بينما اعتبرت أرتيريا أن قيام تجمع صنعاء من دول المنطقة (أثيوبيا- السودان- اليمن- جيبوتي- الصومال) مناوئ لها.. وأشار رستم إلى أن قطر تستطيع أن تعيد المياه إلى مجاريها في علاقات البلدين، وضخ أنبوب التواصل، مستغلة امكاناتها الاقتصادية ولعب دور محوري في قضية التعويض بين البلدين.. مما يساعد في طي صفحة الخلافات إلى فترة تحدد مداها المصالح المشتركة.. وأكد رستم أن عودة علاقات أسمرا وأديس أبابا يمكن للسودان أن يجني منها فوائد جمة وتساعد في تعزيز التعاون الأمثل بين دول القرن الأفريقي، التي تستمتع بثروات بشرية وطبيعية هائلة.. إلى جانب توقف زحف اللاجئين من البلدين السودان وتهريب البشر وخلق مشروعات تنموية تعود فوائدها إلى شعوب المنطقة. الخبير الأمني حسين بيومي قال في تعليقه حول إمكانية نجاح قطر في لعب دور إعادة علاقة أرتيريا وأثيوبيا الأمر الذي أخفق فيه السودان لأسباب موضوعية.. قال: على السودان أن يلزم جانب الحياد في علاقاته مع الدولتين التي شبهها (بالأبوة والبنوة)، منوهاً إلى أن أرتيريا تتوجس كثيراً حينما ترى دوراً محورياً لأثيوبيا في السودان عبر جنودها في أبيي، وأمن على دور السودان في إعادة العلاقات بين البلدين لولا تحدياته الداخلية، التي دفعت به إلى الإنشغال عن القضايا الإقليمية خاصة دول الجوار، مشيراً إلى أهمية تدارك المصالح المشتركة للمنطقة في حال التزام الحياد الأمثل، ومراعاة حساسية الوضع الإقليمي.. يذكر أن أثيوبيا قد أعادت علاقتها مع قطر مؤخراً، ربما تكون المنطلق الحقيقي لتقريب وجهات النظر بين أسمرا وأديس، سيما وأن قطر أبدت اهتماماً متزايداً بمنطقة القرن الأفريقي، هذا ما أنعكس في زيارة أمير قطر إلى أديس أبابا أبريل الماضي عقب اسبوع واحد من زيارة الرئيس الأرتيري لقطر، وصفها مراقبون بأن حواجز كثيرة بدأت الجرافات الدبلوماسية القطرية بإزالتها من الطريق غير المعبد بين أسمرا وأديس أبابا، ويبقى السؤال مطروحاً هل ستنجح قطر فيما فشل فيه السودان في إعادة علاقات أثيوبيا وأرتيريا إلى وضعها الطبيعي؟.