يقولون إن من حمل قلماً ليس مسؤولاً عن ما كتبه فقط، وإنما عن ما لم يكتبه أيضاً!.. ربما كان المقصود هو لماذا لاذ بالصمت والكلمة سيدة الموقف؟!.. تذكرت هذا وابوكرشولا تصبح على كل لسان.. كأنه لا أحد يريد أن يفوته شرف المشاركة في شيء عنها أو من أجلها، لقد شكلت رأياً عاماً، والناس يميلون لمساندة ما يشكل راياً عاماً وسطهم، وعنوانا لوحدة كلمتهم، وصفاء مشاربهم، ويحرك فيهم منابع كرمهم وهممهم.. المشاركة انداحت مفتوحة وعلى أوسع الأبواب، متعددة المداخل، بالقلم وبغيره، ففى الأمر انتصارعزيز منسوب لوطن عزيز قوامه دماء شهداء أرادوا أن يضربوا المثل بشيء أعز وبعزيمة مشهودة في جيش وشعب كلاهما لم يعرف مصطلح «هزيمة» يوماً. الأمنية الآن أن تدخل الأقلام والكاميرات ابوكرشولا، كما اقتحمتها كتائب التحرير.. ماذا تكون أبو كرشولا هذه؟ ولماذا هي بالذات ودون غيرها؟!.. في مختلف البلدان التي عرفت الحروب والانتصارات، نجد أن المواقع المحررة ترتقي فجأة مكانة من المجد والتمجيد لا تضاهيها مكانة، فتزدهر صورتها بين الناس، وتتخذ انموذجاً ومنارة يقتدى بها.. اتوقع أن تحظى ابوكرشولا بمكانة فريدة، ليس داخل الولاية فقط، ولكن على امتداد القطر، وربما عالمياً.. فالوفود الزائرة غالباً ما تشتهي أن تشهد بقعة تحققت فيها معجزة. حين زرنا بكين كان برنامجنا يتضمن سفراً طويلاً بالقطار لأنحاء الصين فقط.. لنتعرف على تجارب شعبية يعتزون بها منها تجربة قرية اسمها(طاشاي)، ضربت المثل في الانتصار على بيئة مدمرة اعتماداً على الذات.. جهود المواطنين ومبادراتهم حولت الخراب الى عمران عن طريق الزراعة، فكرمتها الدولة بأن رفعت شعار(تعلموا في الزراعة من طاشاي). كان على وفدنا وغيره من القادمين من مختلف أنحاء العالم، أن نتعرف على هذه التجربة علنا نأخذ بمضمونها في(الصمود) الذي عرفناه نحن أيضاً في السودان عبر التاريخ، ويتراءى الآن في شكل نفرة شعبية طاغية تنادي فينا بإلحاح: (تعلموا في الصمود من ابوكرشولا).. لماذا لا؟. ليت هذا الاستنفار الفريد الذي انتظم عقب الاعتداء على هذه البقعة الآمنة الوديعة.. المعبرة عن وحدة البلاد، يستمر ويتجه الآن بعد النصر لجهة تطبيق مثل هذا الشعار مقترناً بالمشاركة يداً بيد في إعادة إعمار أبوكرشولا، لترتقي مصاف المدن الانموذج، تنسى ما حدث وتفاخر بتضحياتها وتعلم الناس معاني السلام والوئام والاعتداد بالنفس. هذا يعزز الصلة بين جميع السودانيين في مختلف ولاياتهم وبين ابوكرشولا كفكرة ارتبطت من خلال الحزن والفرح بوجدانهم وبقضايا الوطن المطروحة منذ الاستقلال.. علاقتي بابي كرشولا ما عززت صلتي بحزنها وفرحها.. فقد زرتها ذات يوم وارتبطت في خيالي بحزمة من الشمائل النبيلة (الأمان،الوداعة،الكرم، الإلفة والخضرة). تمنيت أن أشارك أهلها هذه العودة المجيدة بعد انتصار مشهود على من حاولوا تجريدها من هويتها من غير ذنب، فما أفلحوا إلا في جعلها عنواناً لهوية أهل السودان اجمعين. ماذا بعد هذه الفرحة الغامرة التي غشيت أنحاء السودان بمناسبة قومية جديدة اسمها استرداد ابوكرشولا غير أن نحييها.. ومن باب التحية تأتي هذه الكلمة المكتوبة عبر صحيفة واسعة الانتشار تعرف قدر المحتفى بها ومبلغ مجدها.. فندعو لأن تتحول هذه الملحمة عبر إعلام سخي سباق ومشهود الى واقع سوداني جديد، نحسه في كل شيء بدء من طريقتنا في التفكير وإدارة العمل اليومي.. روح جديدة بثتها تجربة ابوكرشولا عبر الصحافة والإعلام، ليتنا نغتنمها ونعززها بعمل ملموس لنتجاوز بهذه الروح جملة سلبيات واخفاقات عاجلت الأداء العام بطعنة في الخاصرة.. الشعب وجيشه وسائر القوات النظامية، وكتائب المجاهدين حققوا نصراً حقيقياً في معركة حقيقية، وعززوا المناخ العام بروح إيجابية منتجة، ليته يبقى هكذا ويستدام.. مناخ عام إيجابي ومنتج يغشى كل الأرجاء والمؤسسات، فهذا تحديداً ما تحتاجه البلاد الآن، لتتحرر من هواجس العدوان والدولار وتلحق بالعالم المتحضر. وشرطة المرورعنوان كيف أصبحت الخرطوم صبيحة أن تحررت ابوكرشولا؟.. عناوين الصحف شكلت ظاهرة حيوية لتجاوب أهل السودان مع الحدث، وتوحدهم على مشاعر وطنية غامرة مثل ما هو عليه الحال عند كل منعطف، لتجاوز المحن وتعزيز الصمود وتجلية الانتصارات المجيدة.. تمنيت أن تنعكس هذه الروح أيضاً على الدواوين وكل مرافق الحياة ذلك الصباح وكل يوم، فليس أقل من أن نأتي نحن وهم وهؤلاء في الموعد، تغمرنا همة عالية مواكبة لهمة من اقتحموا بأرواحهم ودمائهم حواجز ابوكرشولا.. لا شيء ينجز في هذا الزمان بغير(الهمة العالية).. ترتيب مسبق جعلني ذلك الصباح على موعد مع اجراءات بمكاتب حركة المرور بالخرطوم.. الصالة معدة جيداً والجمهور يتوافد، وكل يأخذ دوره بلا انتظار.. العاملون بأزيائهم وطلاتهم الرسمية المهيبة، يشيعون روحاً من طبيعة ذلك الصباح المنتصر.. الاجراءات مضت سلسة عبر نوافذ مرقمة واجراءات رقمية الكترونية.. الى أن برزت مشكلة من حيث لا يدري أحد عطلت الجميع ونزعت عن وجوههم علامات الرضا. إن شباك سداد الرسوم بلا وجيع.. انطلقت الأسئلة والهمهمة..الإجابة تجعل الأمر كأنه(عادي).. موظف التحصيل يتبع لوزارة المالية، ولا بد من الانتظار.. بالإمكان الاستعصام بالصبر، فالحكمة التي أهديت الينا فوراً كانت معلقة أمامنا بخط بارز:(دقائق الإنتظار إملاها بالإستغفار). إستغفرنا فلم يطل الإنتظار، أطل رجل بزي مدني يسرع الخطى، يحمل حقيبة ويتحلى بابتسامة اعتذار قبلناها، فوعد بأن ينجز مهامه سريعاً، لكن تكشفت لنا مغبة التعامل (يدوياً) كخاتمة لحزمة اجراءات تمت عن طريق التكنولوجيا، وأبهرت الجمهور حتى كدنا نغرق في التفاؤل بأننا على أعتاب عصر للتحضر و(الرحمة بالجمهور)، فشرطة المرور يمكن أن تكون عنواناً. إن التحضر مسألة متكاملة، والأخذ بنظم التقانة الحديثة لا يتم بالتقسيط. برزت أبعاد هذه (المعضلة)، التقنية عند الظهيرة، حيث حضرت ملتقى لهيئة الاتصالات عن الحكومة الالكترونية، ومدى جاهزية الوزارات للتعامل بالتكنولوجيا.. كشفت الورقة المقدمة عن تفاوت مزعج بين وزارة وأخرى.. البعض يتعامل تكنولوجياً مائة بالمائة (ذكرت وزارة الداخلية).. وكثيرون يترددون مازالوا! . فكيف نتحرر هنا أيضاً؟.. الندوة جاءت بعلاج، حيث كشفت أن نجاح البلاد في هذا المجال 80 % منه يتوقف على وجود إدارة ناجحة وإرادة فاعلة، وأوصت بالإهتمام بتطوير الإدارة كأساس لنجاح التعامل مع التكنولوجيا، وحصد أفضالها العديدة على المواطن والدولة و(هوية الأمة).