غنى محمد الأمين «زورق الأحلام» وأطرب وأشجى الأجيال المتلاحقة. وأمس الأول بكت شواطيء الخرطوم الباكية أصلاً «زورق الأملاح» والأملاح هنا مصدرها الدموع! ومياه النيل أنتجت حزناً ودموعاً على المفقودين والذين ذهبوا إلى رحاب الله بعد غرق «العبّارة» أمس في النيل وكان على متنها «16» شاباً وشابة في المنطقة الواقعة بين جسري «توتي» والمك «نمر» وكتب الله النجاة ل(13)، أغلب الصحف اعتمدت وصف «عبّارة» وبعضها قال «معدية» ولكنني ذهبت باطمئنان شديد للتعريف الذي قاله الأستاذ أحمد عبد الوهاب رئيس تحرير الزميلة الحرة بأنه مجرد زورق «عادي» أضيفت إليه ماكينة لتجعل حركته أسرع! والحركة «الأسرع» دائماً لوسائل النقل في السودان سواء كانت طائرات أو قاطرات أو بصات أو عبارات أو حتى «حمير» الناتج المحلي في هذه الحالة حادث مفجع ومحزن يروح ضحيته العشرات بل المئات من الأرواح البريئة والحركة الأسرع لهذه «المصائب» المتحركة تقابلها دائماً حركة إنقاذ «بطيئة» وسلحفائية و«سودانوية» في تناول الأمور ومعالجتها على النحو الذي شاهدناه أمس الأول قبالة برج الفاتح! لا أريد أن أفتح ملفات الحزن عند أهلي وأنا استرجع حالات غرق حزينة لبعض الأقارب والمعارف والصور تتأرجح أمامي أمام محاولات الإنقاذ البطيئة والتقليدية التي تجري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و«القدرية السودانية» التي تقول دائماً ليس في الإمكان أحسن مما كان! نعم لقد أعاد حادث الأمس للأذهان كثير من الحوادث المماثلة. لقد بذلت شرطة الإنقاذ مجهودها البدني والعضلي وهذا ما يفعله دائماً هؤلاء الجنود المجهولين تحت الماء!! ولكننا نسأل دائماً إلى متى تظل أمور الكوارث والطواريء تدار دائماً بمثل هذه الطرق التي ودعتها الدنيا من حولنا لماذا لا تصرف الدولة من أموالها الكثيرة على مثل هذه المرافق الحيوية والمهمة والمرتبطة بحياة الناس؟ لماذا لا تتوفر أحسن الإمكانيات من أجهزة ومعدات وسيارات إسعاف ورافعات حديثة كالتي نراها في الموانيء وحقول البترول لشرطة النقل النهري؟ ولماذا لا يذهب مثل هؤلاء الشباب الأشاوس في دورات متقدمة لأوربا وأمريكا مثلما يذهب أناس «فارغين» لدورات «فارغة» لا تسمن ولا تغني من جوع ولا يحتاج الناس إليها أبداً.. لماذا.. لماذا.. لماذا؟!