لماذا تظل المنشآت والبنيات الأساسية في السودان معطلة لعشرات السنوات بينما تنمو المنشآت الخاصة بسرعة مذهلة. في مقال سابق أشرت إلى تكريم الشاعر د. محمد بادي، والذي وصف في إحدى قصائده حي العمارات بغابة الأسمنت، ولأن القصيدة كتبت في السبعينيات فكان حي العمارات هو الحي الوحيد الذي تطاول فيه البنيان، رغم أنه لم يزد في أعلى مراتبه عن الثلاثة طوابق.. ولكن على امتداد السنوات منذ ذلك التاريخ وحتى الآن نما العمران بالعاصمة بصورة مذهلة حتى أصبح كل من هب ودب يملك عمارة من عدة طوابق. أقول هذا مقارناً ذلك بالنمو المطلوب لمنشآت الدولة من بنيات أساسية وعمران، فقد ظلت بطيئة حتى أن العاصمة الخرطوم بعد أن شهدت الطفرة الأخيرة في الطرق والكباري كأنها تؤسس لأول مرة. إن عشرات السنوات التي مرت لو سار الانجاز فيها بالمعدل الحالي لكانت لنا عاصمة نتباهي بها. لقد كنا نحكي عن بطء تشييد مشروع واحة الخرطوم، ومثواه في ميدان غرب الجامع الكبير إلى أن هيأ الله له مخلصين انتشلوه من سنوات الضياع، وأصبحت واحة الخرطوم الآن واقعاً معاشاً. أقول هذا وأمامي مشروع المدينة الرياضية، هذا المشروع الذي لاكته الألسن وتحيّر الناس في أمره، فهو من أوائل مشاريع الإنقاذ الهادفة، ولكن قد أصابته لعنة التلكؤ في التنفيذ، ربما في التمويل وربما في الإدارة والمسؤولية. ولكن بعد تدخلات على مستويات عليا عاود المشروع التشييد، ولكن كلما أنظر إليه أجد أنه يتطاول رأسياً حتى بلغت مبانيه حتى الآن الطوابق الخمسة، وما زال السيخ منتصباً إلى أعلى، وقد استغربت بشأن هذه المباني التي تبتلع كل الاعتمادات، لست أدري هل هي مبانٍ إدارية ومكاتب أو فنادق أو قاعات وصالات، فإن كانت إدارية فهذا شيء غريب أن تكون بهذا الحجم وإن كانت صالات وقاعات فلا أعتقد أنها تحتاج لكل هذه المباني الشاهقة ..أم هي مقصورات؟؟ إنني اعتقد أن البنيات الأساسية للمدن الرياضية عادة ما تكون أفقية، فقد كان الأجدي أن يركز هذا الجهد المبذول، وربما المقدر، على تأسيس مدينة رياضية أرضية بمواصفات عالمية، من ميادين وأحواض سباحة ومضمارات ولا مانع أن تنشأ فيه بعض المباني الرأسية الإدارية، وربما الفندقية، ولكن ذلك يكون على أطراف المساحات وتكتفي هذه المساحة الوسطية الرئيسة للميدان الرئيس بطابق أو طابقين لزوم المقصورات. في زيارتنا لبلغاريا، عند مشاركتنا في مهرجان الشباب والطلاب في تلك الأيام الخالية، بُهرنا بالمدينة الرياضية التي أُنشئت خصيصاً للمهرجان، فقد كانت ممتدة على مساحات خضراء واسعة تشمل جميع ضروب الرياضة، وفي أطرافها عمارات محدودة لسكن الوفود، والتأسيس الأرضي للمدن الرياضية ليس سهلاً وإن كنا قد أضعنا عشرات السنوات في تشييد المباني العالية، والتي ما زالت مستمرة فإن قيام مؤسسات رياضية بمستويات عالية أرضية يحتاج للوقت والمال. ففي المدينة البلغارية الرياضية التي أشرت لها تأتي إضاءة الميادين من على بعد أكثر من 10 كيلومترات، في شكل أشعة مسلطة على موقع المدينة، فلا ترى أعمدة ولا كشافات وإنما إضاءة بيضاء على أرض الميادين بالإضافة إلى الخضرة الناعمة التي تكسو أرض المدينة وما حولها. إنني أدعو إلى التقليل من الصبات الخرسانية في المدينة الرياضية والاهتمام بالتأثيث الأرضي مع الاهتمام بالجوانب الجمالية، وأخشى أن تنتهي الاعتمادات المرصودة في هذه المباني، كما سبق أن حصل، ويتوقف العمل سنوات جديدة دون الولوج للأغراض الحقيقية للمدينة الرياضية، علماً بأن التأثيث الأرضي يحتاج لأموال كثيرة إذا أردنا أن نؤسسه على مواصفات عالية. أرجو ألّا نتمادى في المزيد من الخرسانة في المدينة الرياضية، إنها ليست خزّاناً ولا سدّاً، والمدن الرياضية لا تُُنشأ في الهواء.