إذا كسب المرتزقة الفاشر يعني ذلك وضع حجر أساس دولة العطاوة    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    عيساوي: البيضة والحجر    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرار أخطر ساعة في تاريخ السودان!!
نشر في آخر لحظة يوم 05 - 07 - 2013


الحلقة (7)
كيف استطاعت الإدارة في أعالي النيل أن تتصرف بحكمة واستطاعت كذلك أن توظفها لإبطال مفعول التمرد هناك؟
من سخرية القدر أن البمباشي حسن محمود قائد حامية يامبيو الذي لعب دوراً في أخذ الذخيرة من جنوده في يامبيو وعمل على إجلاء الشماليين منها وتوجه من هناك (لأنزارا) وقع في خطأ كبير لثقته المفرطة في شاويش البلتون الجنوبي في أنزارا حيث قام بإخطاره بالتمرد في توريت متجاهلاً النصيحة التي قدمها له الملازم ثاني أمين نمر الضابط الشمالي المسئول عن بلتون أنزارا بجانب زميله الملازم ثاني نيانق، ونتيجة لذلك تنبه جنود البلتون من الجنوبيين وقام أحد الجنود بإطلاق الرصاص على البمباشي حسن محمود فخر صريعاً في الحال.
تنقل ملاحظ البوليس عمر عبد الحميد عديل ومعه مساعد مفتش مركز يامبيو من منزل إلى منزل لإيقاظ الشماليين والمساعدة في إجلائهم من المدينة ولكن طالت أعمال القتل خمسة وأربعون شمالياً في يامبيو وأنزارا ولم يقتل أي جنوبي هناك.
تمددت رقعة التمرد وطالت مديرية أعالي النيل إلا أن كياسة وفطنة الإداريين هناك استطاعت أن تمتص التململ وتخمد نيرانه قبل أن يزداد أوارها كما قام البلك الشمالي بإدوار فاعلة لبسط الطمأنينة والأمن والنظام.
يامبيو وأنزارا:
1/ وصلت إلى مفتش مركز يامبيو في وقت ما من عصر يوم 18 أغسطس سنة 1955م إشارة من جوبا تخبره بالتمرد وتطلب منه أن يرسل تقريراً عن الموقف عنده. وفي الساعة 2:30 من صباح يوم 19 تسلم رسالة أخرى تأمره بإجلاء أكبر عدد ممكن من الشماليين من المدينة إما إلى الكنغو البلجيكي أو إلى واو ببحر الغزال وإن أمكن أن يتلف الذخيرة الموجودة مع بلاتونات قوة دفاع السودان المعسكرة هناك.
2/ وكان هناك بلتونان من البلك نمرة 2 من الفرقة الجنوبية معسكرين في يامبيو وبلتون واحد من البلك نمرة 5 من الفرقة الجنوبية معسكراً في أنزارا على بعد ستة عشر ميلاً من يامبيو.
3/ وبينما ذهب مفتش مركز يامبيو ليوقظ الموظفين والتجار الشماليين نجح البمباشي حسن محمود قائد حامية يامبيو وأنزارا في أخذ الذخيرة من جنوده في يامبيو دون أن يثير شكوكهم وتوجه إلى أنزارا على بعد ستة عشر ميلاً غرباً ليأخذ ذخيرة البلتون الموجود هنالك. وقد أخبر البمباشي الضابط الجنوبي الملازم ثاني نيانق ديو (رقي إلى ملازم أول فيما بعد) الذي كان يضع فيه بعض الثقة بسبب جمعه للذخيرة وطلب منه أن يلحق به في أنزارا.
4/ وفي أثناء ذلك بارح مدينة يامبيو إلى واو عن طريق أنزارا أكبر عدد أمكن حشده من عربات اللواري الملأى بالموظفين والتجار الشماليين وعوائلهم.
5/ وقد كان ملاحظ البوليس عمر عبد الحميد عديل الذي أرسل من الخرطوم خصيصاً لإجراء تحريات أكثر في الحوادث التي حصلت في يامبيو وأنزارا في يومي 25 و 26 يوليو - من أوائل الذين وصلوا لأنزارا وقد حاول هو ومساعد مفتش مركز يامبيو أن يوقظ أكبر عدد ممكن من الشماليين ويخطرهم لكي ينجو.
6/ وفي أثناء ذلك وصل البمباشي حسن محمود إلى ثكنات البلتون المعسكر في أنزارا وأخبر الشاويش الجنوبي بالتمرد والاضطرابات في توريت مخالفاً بذلك نصيحة الملازم ثاني نيانق والملازم ثاني أمين نمر الضابط الشمالي المسئول عن بلتون أنزارا. وأمر البمباشي الضابطين والشاويش أن يضعوا صناديق الذخيرة في عربة اللوري وبينما كانوا يقومون بهذه العملية استيقظ جنود البلتون وطالبوا بمعرفة سبب أخذ الذخيرة منهم وركب بعضهم في العربة وأخذوا في تفريغ صناديق الذخيرة منها. وأمر البمباشي الملازم ثاني نمر بأن يقود العربة بسرعة ولكن مفتاحها لم يوجد وأطلق أحد الجنود رصاصة على البمباشي (يحتمل أن تكون من مدفع استن) فخر ميتاً. وتلا ذلك اضطراب. ثم اندفع جنود البلتون الجنوبيون إلى الطريق وابتدأوا في إطلاق النار على بعض العربات التي كانت تقل الفارين من يامبيو وأنزارا. وقد تعدت أغلبية العربات منطقة الثكنات بأنزارا قبل بدء إطلاق النار ونجت بسلام سائرة في الطريق المؤدي إلى واو. ولكن عربتين من قافلة عربات يامبيو حوصرتا وأمر راكبوها الشماليون بالنزول وبعد أخذ ما في جيوبهم قتلوا رمياً بالرصاص. وقد اصيب مدير لجنة مشاريع الاستوائية بالنيابة بجروح مميتة داخل عربته عندما كان على وشك الخروج من أنزارا محاولاً النجاة. وقد اخذ أحد رجال البوليس المخلصين ثلاثة من الجرحى الشماليين إلى مستشفى ليرانقو.
7/ جمع بوليس أنزارا كل الشماليين الذين لم يتمكنوا من الفرار إلى واو وأرسلهم إلى سجن يامبيو حيث وصلوه في الساعة السادسة من مساء يوم 19 وكان عددهم ثلاثين رجلاً معهم أطفال ونساء عدة. فوضع الرجال في عنبر والنساء والأطفال في آخر . وفي الساعة الخامسة والنصف من صباح يوم 20 أغسطس أخرج الرجال الشماليون الثلاثون . وقد قام أمباشي بوليس بمعاونة سبعة من السجناء بربطهم من اعناقهم وأمروا بالسير مسافة 200 ياردة إلى مكان فسيح. ثم أمر شاويش من البوليس ستة عشر رجلاً من البوليس والسجانة بإطلاق النار وقد فعلوا فقتل سبعة عشر في الحال وأطلق الرصاص على الجرحى وهم في حالة النزع. وقد أفلح أربعة من الشماليين في حل أنفسهم بطريقة ما من الحبل المربوط في أعناقهم وفروا إلى الغابة وقد طاردوهم وأصابوا أحدهم بالرصاص وقتلوه. وقد نجا من هذا العدد ثلاثة. وقد طارد الجنود والسجانة ورجال البوليس شماليين كثيرين لم يتمكنوا من الفرار من يامبيو وقتلوهم. وقد نهب الأهالي متاجر الشماليين في يامبيو وأنزارا وأحرقوا اثنين منها.
8/ غادر الموظفون البريطانيون الذين تستخدمهم لجنة مشاريع الاستوائية بأنزارا المكان إلى الكونغو البلجيكي في ركب من العربات ورافقهم ضابط مجلس ريفي مركز يامبيو إلى أن وصلوا بسلام.
9/ قتل خمسة وأربعون شمالياً في يامبيو وأنزارا ولم يقتل أي جنوبي وفيما يلي أسماء القتلى:
الاسم
المكان
الحرفة
1. البمباشي حسن محمود
أنزارا
قوة دفاع السودان
2. حسن الشيخ
يامبيو
ملاحظ النقل الميكانيكي بيامبيو
3. الطيب موسى
أنزارا
كاتب مركز الزاندي
4. ادم بخيت
أنزارا
ملاحظ طرق بالأشغال
5. الطاهر السراج
أنزارا
مدير لجنة مشاريع الاستوائية بالنيابة
6. محمد هدية
أنزارا
محاسب
7. سر الختم حامد
أنزارا
محاسب
8. عبد الهادي عز الدين
أنزارا
محاسب
9. محمدود عبد النور
أنزارا
محاسب
10. سعد عبد الحميد
أنزارا
مخزنجي
11. جورج الياس كعده
أنزارا
كاتب بالنقل
12. عباس حسون
أنزارا
كاتب بالنقل
13. عيسى ابراهيم عيسى
أنزارا
كاتب بالنقل
14. دراج سالم
أنزارا
كاتب بالنقل
15. محمد عبد الرحيم
أنزارا
رئيس البنائين
16. مهدي حامد
أنزارا
رئيس ميكانيكية
17. محمد الصاوي
أنزارا
رئيس ميكانيكية
18. حسن محمد عبد الغفار
أنزارا
رئيس ميكانيكية
19. ابراهيم محمود
أنزارا
رئيس ميكانيكية
20. سمعان ميخائيل
أنزارا
رئيس ميكانيكية
21. مصطفى احمد تمام
أنزارا
ملاحظ
22. محمد أحمد الرشيد
أنزارا
محاسب
23. محمد ادريس
أنزارا
تاجر
24. عبد الرازق فضل المولى
أنزارا
تاجر
25. الطيب فضل المولى
أنزارا
أخ المذكور أعلاه
26. آدم عثمان
أنزارا
تاجر
27. عبيد زيدان
أنزارا
تاجر
28. ميرغني عبد الغفار
يامبيو
تاجر
29. طه محمد علي
يامبيو
تاجر
30. ابراهيم محمد سعيد
يامبيو
تاجر
31. عبد الرحيم محمد ابو كيف
يامبيو
مخزنجي
32. عثمان شيخ ادريس
يامبيو
تاجر بليرانقو
33. مجذوب الشيخ
يامبيو
تاجر بليرانقو
34. خضر شمعون
يامبيو
تاجر بليرانقو
35. عبد القادر يوسف
يامبيو
زارع
36. حامد يوسف
يامبيو
أخ المذكور أعلاه في زيارة
37. الحاج سليمان زيدان
يامبيو
في زيارة تجارية
38. سليمان البشير
يامبيو
في زيارة تجارية
39. الحاج موسى
يامبيو
في زيارة تجارية
40. احمد المك
يامبيو
في زيارة تجارية
41. ميرغني عبد العزيز
يامبيو
42. محمود أبو عجول
يامبيو
43. خضر الطاهر
يامبيو
في زيارة تجارية
44. بشيرمحمد أحمد
يامبيو
في زيارة تجارية
45. الست رحمة
يامبيو
زوجة تاجر في ليرانقو
ب/ مديرية أعالي النيل:
يتضح من البيان الموجود في القسم الثامن من هذا التقرير أن البلك نمرة 4 من الفرقة الجنوبية كان معسكراً في ملكال وكان قائده البمباشي مصطفى الكمالي. وكان باشجاويش البلك (ميزان) أحد كبار صف الضباط الذين وردت أسماؤهم في وثائق المؤامرة التي عثر عليها عند وكيل بلك الأمين (سترلينو) بعد (حادث النشاب). وحتى قبل ذلك الحادث فقد لوحظ أن لهذا الباشجاويش اتصالاً بمثيري الشغب السياسيين في ملكال ولذلك فإنه روقب مراقبة دقيقة واكتشف انه أبدى اهتماماً أكثر من غيره بنزول القوات الشمالية في مطار ملكال في يوم 10 أغسطس عندما كانت في طريقها إلى جوبا. وازدادت عليه الرقابة منذ ذلك التاريخ. وفي يوم 13 أغسطس أرسل في مهمة إلى جوبا وذلك بناء على تعليمات قائد الفرقة الجنوبية بالاتفاق مع قائد البلك. ومنذ ذلك الحين اتخذت السلطات بملكال الإجراءات الحكيمة المناسبة لتجريد الجنود من أسلحتهم وحفظ الذخيرة في مكان سري. وأعطيت الأوامر لرجال البوليس ليكونوا على استعداد طوال أيام 14 و 15 و 16 و 17 و 18 أغسطس. وكان المفروض أن يسافر البلك نمرة 4 بالباخرة إلى الخرطوم في صباح 19 أغسطس سنة 1955م ولكن في الساعة 11:20 صباحاً من يوم 18 أغسطس تسلم قائد البلك إشارة بأن يدخل جنوده في الباخرة في الحال. وأمرت القوات بأن تكون جاهزة على الرصيف لتستقل الباخرة في الساعة 4:30 مساء. وتم نقل التعيينات وأمر قائد البلك جنوده بدخول الباخرة فرفضوا أن يفعلوا ذلك وجلسوا على الرصيف. وقد قام القائد باتخاذ احتياطات وذلك بحراسة الرصيف بكردون من رجال البوليس السواري ليمنعوا المدنيين من الاختلاط مع الجنود. وفي الساعة الرابعة والنصف مساء تسلم نائب المدير إشارة تنبئه بالتمرد في توريت. فأخبر قائد البلك بذلك وطلب منه أن يبذل قصارى جهده ليغري الجنود بالرحيل. وأحضرت قوات أكثر من البوليس وشدد الكردون حتى لا تتسرب أخبار التمرد للجنود. وطلب الجنود أن يعطوا ذخيرتهم فأبان لهم القائد بأن عملهم في الخرطوم سيكون الاشتراك في استعراض ولذلك فإن الذخيرة غير ضرورية. ثم تحدث القائد مع جنود كل بلتون على حده وحاول جهده اقناعهم. فقبل بعضهم وساروا نحو الباخرة مظهرين الاقتناع ورفض الآخرون وركبوا اللواري وهم يصيحون. فنزل من الباخرة رجال البلتون الذين ركبوا وانضموا للبقية. وبلغت الساعة العاشرة مساء وتحرج الموقف فأمر القائد وهو يائس قمندان البوليس بالنيابة ليحضر مزيداً من رجال بوليس السواري (معظمهم من النوبة). وقرر أن يقوم بمحاولة أخيرة لإغراء الجنود وإذا فشل فيها أن يأمر رجال البوليس بإطلاق النار. وجمع الجاويشية للمرة الثانية وتحدث إليهم وعندها قال الجاويش مايكل بنداري (سأقبل أمرك يا سيدي) وأدخل رجال بلتونه في الباخرة. ثم قبل الجاويشية الآخرون ودخل كل الجنود الباخرة ولكنهم رفضوا أن يدخلوا أدوات سفر ضباطهم أو يقبلوا الثيران التي أهدتها لهم المديرية وأخيراً تحركت الباخرة في الساعة 11:30 مساء.
2/ إننا مقتنعون أنه عندما أبحر الجنود لم يكونوا على علم بالحوادث التي حصلت في توريت في نفس اليوم ومن الواضح أيضاً أن الجنود أو على الأقل صف الضباط كانوا على علم بخطة للتمرد وعندما فتشت محطة التلفون اللاسلكي في ملكال بعد يومين عثر على إشارة مكتوبة بلغة الأشولي من القوات في توريت إلى القوات بملكال هذا نصها:-
(لا تقتلوا أو تخربوا حتى يصلكم اخطار آخر)
وكان يدير محطة التلفون اللاسلكي عامل اشارات جنوبي من بلك ملكال.
3/ اصبحت أخبار التمرد في توريت معروفة لدى الجمهور في ملكال في صباح يوم 19 أغسطس. وعلى الرغم من أن حالة المدينة وسكانها لم تكن عادية إلا أنه لم يحدث له أثر إلا في يوم 22 أغسطس. وفي ذلك الحين فقد أصبح معروفاً أنما حدث بتوريت لم يكن تمرداً فحسب وإنما كان شبيهاً بثورة اشترك فيها رجال البوليس والسجانة والأهالي الجنوبيين. وفي يوم 21 أغسطس عاد إلى ملكال المدير وقمندان البوليس اللذان كانا بالإجازة وبما أن الموقف كان غامضاً فقد حول بلك شمالي كان في طريقه إلى جوبا.
4/ تتكون قوة البوليس في ملكال من ثلاثة أقسام: البوليس المشاة-بوليس المدينة والسواري . ويكاد يكون جميع بوليس المشاة من الجنوبيين وتنتمي أغلبيتهم الساحقة إلى قبائل المديرية الاستوائية ويشمل بوليس المدينة عدداً لا يستهان به من النوبة والعرب أما السواري فإن أكثرهم من النوبة والعرب. وفي اجتماع عقد في المديرية في صباح يوم 22 تقرر نسبة لاحتمال العطف الذي ربما يبديه رجال البوليس الذين ينتمون للاستوائية لأخوانهم الذين تمردوا ونسبة لأن أغلبية رجال بوليس الاستوائية قد اشتركوا في التمرد تقرر سحب جزء من ذخيرة هؤلاء البوليس ووضعها في مكان آمن في مخازن الجيش. وبعد ذلك بقليل وصلت إشارة غامضة من مدير بحر الغزال بالباخرة (دال) تفيد بأنه وكبار موظفي الحكومة قد جلوا عن واو. فظن مدير أعالي النيل ان نطاق الاضطرابات قد اتسع وامتد إلى واو وبعد تشاوره مع قمندان البوليس ونائب المدير قرر أن ينزع السلاح ويسحب كل الذخيرة من رجال البوليس الجنوبي. وقد كانت هنالك ما لا تقل عن أربعين ألف طلقة في رئاسة البوليس المشاة وحدهم. وقد سبق أن ذهب مفتش البوليس الضو عيسى بناء على تعليمات القمندان لإحضار عشرين صندوقاً (عشرين ألف طلقة) من المخازن وقد نجح ومعه المأمور وعامل واحد في شحن عشرين صندوقاً في عربة كانت في انتظارهم على مقربة وتحركت العربة. وبعد ذلك بقليل وصلت عربة صغيرة بها مدفع برن وجنود شماليون وأمر مفتش البوليس بإحضار خمسة عشر صندوقاً أخرى. ولما كاد ينتهي من هذه المهمة ابتدأ رجال البوليس الجنوبيون في الرئاسة في السطو على مخازن الأسلحة وانضم اليهم السجانة وعندها صوب الأومباشي مولايا ييري رئيس حرس مخازن الذخيرة بندقيته وأطلق الرصاص على مفتش البوليس الذي كان لا يزال موجوداً في داخل المخزن وعندها أطلق الجنود الشماليون النار على رجال البوليس والسجانة الجنوبيين. وتلا اطلاق النار بعض الاضطرابات وهرب المساجين كما فر أغلبية رجال البوليس والسجانة من ملكال وكثير منهم مسلحون. وعندما سمع قمندان البوليس الذي كان باستراحة المديرية صوت اطلاق النار في رئاسة البوليس توجه إلى ثكنات الجيش الشمالي وطلب من قائدهم البمباشي سليمان ابراهيم أن يمده بجنود شماليين لينزع سلاح بقية رجال البوليس الجنوبيين في المركز. وقد أعطى صنف مكون من تسعة جنود معهم مدفع فكرز. وعند وصوله المركز طلب القمندان من الأمباشي ورجال البوليس الأربعة الذين كانوا يحرسون الخزينة أن يضعوا أسلحتهم وكان جنود الصنف الشماليون يقفون خلفه. فرقد رجال البوليس الجنوبيون خلف ساتر وأطلق عليهم الجنود الشماليون النار فجرحوا الأمباشي في رجله وسلم رجال البوليس الأربعة الجنوبيون. ولم تحدث اصابات مميتة هنا ولكن قتل ستة أشخاص أثناء تبادل اطلاق النار في الرئاسة وهم:
الجنوبيون:
1. النفر لميوك رجل بوليس من قبيلة اللاتوكا من البوليس المشاة بملكال.
2. ناتانا رابو سجان من قبيلة المورو
3. لقاري ليراي سجان من قبيلة اللاتوكا
4. ماينل دنق مسجون دينكاوي
5. ناكت ناتو بنت شلكاوية صغيرة
6. مهدية عبدالصمد -بنت نوباوية صغيرة
وقد قتلت البنتان الأخيرتان برصاصات طائشة على بعد مسافة من مكان الحادث.
5/ وفي خورفلوس كسر المساجين الجنوبيون السجن وحاولوا الفرار وأطلق الحرس عليهم النار فقتل أربعة منهم:
1. كول تونق (دينكا)
2. فاديات دنق (دينكا)
3. مياك ماجك (شلك)
4. تتريا تونق (نوير)
6/ قد ذكر أعلاه أن رجال البوليس والسجانة قد هربوا بعد إطلاق النار أمام رئاسة البوليس كما فر أيضاً كثير من المساجين. وبالرغم من أن كثيراً من الأهالي قد بقوا في ملكال إلا أن عدداً كبيراً منهم قد هرب نتيجة للخوف. وقد نشر الذين فروا الاخبار الكاذبة بان الشماليين قد قتلوا كل الأهالي الجنوبيين. وأن السرعة التي انتشرت بها أخبار هذه الحوادث لا يصدقها العقل. ومن المساجين المشهورين الذين فروا أثناء إطلاق النار كجور يسمى دال ديو وهو محارب عجوز من قبيلة النوير أزعج السلطات لمدة طويلة وقد اشتهر بشغبه منذ سنة 1930. وله نفوذ كبير على قومه واحترام عظيم لديهم وكثيراً ما قام بغزوات على الدينكا وسرق أبقارهم. وقد حددت اقامته في العهد الماضي بملكال ولكن قبل مغادرة البريطانيين أصدر المدير آنذاك عفواً عنه وسمح له بالذهاب إلى بلدته ليقضي باقي حياته. وقد أفرج عنه في سبتمبر سنة 1954. وفي مارس سنة 1955م أراد دال ديو أن يختبر قوة الحكومة الجديدة ولذلك قام بمحاولة أخرى لغزو الدينكا. فأرسل اليه بلك من الهجانة ومعه مساعدة من أسلحة أخرى وبلك من الفرقة الجنوبية بقيادة الأميرالاي أحمد عبدالوهاب ووصلوه في مدة وجيزة وسلم دال دون سفك دماء وأحضر لملكال حيث أعطى منزلاً وأمر بالإقامة فيه. ولذلك فإنه عندما فر فإن السلطات واجهت مشكلة أخرى وهي انتشار الإشاعات الخطيرة بأن (الحكومة قد زالت). وخافت من بدء الحروب القبلية. وقد كانت هناك مؤامرة في الحقيقة لقتل رث الشلك أو المك كما يسمى. (اكتشفت هذه المؤامرة لحسن الحظ في الوقت المناسب. وقد سرق بعض الشلك أبقاراً من تجار ملكال وانتشرت الشائعات بأن النوير يريدون ما لا يقل عن أربعين ألف طلقة في رئاسة البوليس المشاة وحدهم وقد سبق أن ذهب بسرعة وتم القبض عليه بعد مدة وجيزة.
7/ سنشير إلى الحوادث الأخرى في مديرية أعالي النيل باختصار. ففي ملوط بمركز الرنك ترك بعض رجال البوليس العمل كما هرب بعض المساجين ولكن سرعان ما ألقى عليهم القبض. وفي فنجاك (مركز وسط النوير) حرض الفارون من ملكال رجال البوليس على الثورة وقتل الجلابة ولكن جاويش البوليس بلغ مفتش المركز هذا الخبر. واحتفظ هذا الشاويش المخلص بمفاتيح مخزن الذخيرة والسلاح وجعل من نفسه بمعاونة اثنين من الأمباشية حرساً مستديماً وقد ترك العمل واحد أو اثنان من رجال البوليس ولكن رجال البوليس المخلصين أرجعوهما. وفي الناصر (مركز شرق النوير) فقد كان مساعد مفتش المركز الجنوبي والباشجاويش مخلصين ولم يحدث شيء ذو أثر سوى هروب بعض الأهالي. وفي أكوبو (مركز اللاونوير) أخبر أحد الهاربين الأهالي أن الحكومة قد أرسلت باخرة تقل جنوداً لقتلهم. وقد أمر مفتش بيبور بأن يتوجه إليهم ويهدئهم ولكن الأهالي هربوا وعندما وصل مفتش بيبور رفض رجال البوليس أن يسلموه مفاتيح مخازن الأسلحة والذخيرة وتركوا عملهم. وعندما ظهرت الباخرة المقلة لرجال البوليس الشماليين أطلق عليها رجال البوليس الجنوبيين النار فلم يردوا عليهم. وتحدث إلى البوليس الجنوبي مفتش المركز محاولاً تطمينهم ولكن دون جدوى. وطار إلى أكوبو فيما بعد قمندان البوليس ومعه صول بوليس جنوبي مخلص وأمباشي وتسلما المسئولية. وقد سلم بعض رجال البوليس الفارين. وفي نقطة بيبور (مركز بيبور) فقد استطاع نائب المأمور الجنوبي تطمين السكان ولم يغادر المدينة سوى القليل. وفي جمبيلا (وهي نقطة تجارية داخل الأراضي الأثيوبية خاضعة للإدارة السودانية) فقد حرض الشاويش رجال بوليسه على قتل التجار الشماليين وقد تمكن مفتش المركز من إلقاء القبض عليه وعلى اثني عشر رجلاً من البوليس كان الشاويش قد نجح في ضمهم إليه. وقد طار قمندان البوليس إلى جمبيلا وأرسل رجال بوليس من النوبة في الوقت المناسب. أما في بور فالنسبة لقربها من الاستوائية فقد كان الموقف بها أكثر حرجاً من الجهات الأخرى واستطاع مفتش المركز باجتماعاته المتواصلة مع الزعماء أن يهدئ الأمور رغم أن الأهالي كانوا يعطفون على المتمردين في توريت. وقد ظل رجال البوليس ما عدا الشاويش مخلصين وأرسل بلتون من الجنود الشماليين بعد فترة وجيزة. كما أرسلت طائرة أوستر للاستكشاف وفر بعض الأهالي خوفاً منها ولكنهم عادوا حالا. وفي بنتيو (مركز غرب النوير) كان مفتش المركز بالإجازة وهرب كثير من رجال البوليس حاملين معهم الأسلحة والذخيرة. وكان في نيتهم إطلاق الرصاص على التجار ولكن الباشجاويش وهو من القبائل النيلية والأمباشي دانيال جامبو (ابن الزعيم جامبو وهو من قبيلة المورو) استطاعا أن يحفظا الأمن. وأرسل مفتش المركز الذي استطاع أن يستعيد الثقة.
8/ وعلى العموم فإن السلطات بأعالي النيل قد عالجت الموقف بمقدرة وبعد نظر. وقد قام البلك الشمالي الذي كان تحت تصرفهم بعمل عظيم كما كان مفتشو المراكز يعملون بسرعة في مناطقهم لتطمين الزعماء والأهالي. وإذا استثنينا ملكال فقد كان رجال البوليس وخاصة الذين ينتمون للقبائل النيلية مخلصين على وجه العموم. وبالرغم من استحالة استعمال الطرق البرية نسبة للأمطار فإن البواخر النيلية قد استخدمت استخداماً كاملاً. وأن إرسال خليط من رجال البوليس الشماليين والمخلصين من الجنوبيين (متى وجدوا) كان عملاً يدل على مهارة سياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.