هل هذه القصيدة حقا وصدقا لادريس محمد جماع؟ هل هذه الأبيات للشاعر المرهف الرقيق الحس والوجدان ادريس محمد جماع؟ هل هذه الأبيات للشاعر الشاب الذي تخرج في دار العلوم في كلية اللغة العربية وعمل معلما للغة العربية في بخت الرضا هل هذه الأبيات للشاعر المتوقد الذي توقد حتى احترق وتوقد في ذات المدى الذي توقد فيه الشاعران الشابان التيجاني يوسف بشير وابو القاسم الشابي؟! هل يعقل ان تكون هذه القصيدة له ام ان يدا خرقاء وطوبة عجماء وسريرة شوهاء قد عمدت الى قصيدة الشاعرالمرهف فشوهتها وأفسدتها وملأتها بالعيوب والثقوب والندوب حتى لم يعد في مكنتك ان تصدق ان شاعرها هو ادريس محمد جماع الشاعر السوداني صاحب ديوان لحظات باقية الذي حوى قصائد من امثال رحلة النيل التي مطلعها: النيل من نشوة الصهباء سلسله وساكنو النيل سمار وندمان وخفقة الموج أشجان تجاوبها من القلوب التفاتات واشجان والقصيدة من بحر البسيط مستفعلن فعلن مستفعلن فعلن ودع هريرة ان الركب مرتحل وهل تطيق وداعا ايها الرجل ومن روائعه ايضا من (سعير الكفاح) قلوب في جوانبها ضرام يفوق النار وفدا واندلاعا بطن العسف يورثنا الضياعا فلا والله لن يجد انصياعا ولا يوهي عزائمنا ولكن يزيد عزيمة الحر اندفاعا سنأخذ حقنا مهما تعالوا وان نصبوا المدافع والقلاعا طغى فاعد للاحرار سجنا وصبر ارضنا سجنا مشاعا هما سجنان يتفقان معنى ويختلفان ضيقا واتساعا ومن روائع ادريس جماع قصيدته (أعلى الجمال تغار منا) أعلى الجمال تغار منا ماذا عليك اذا نظرنا هي نظرة تنسي الوقار وتسعد الروح المعنى دنياي انت وفرحتي ومنى الفؤاد اذا تمنى انت السماء بدت لنا واستعصمت بالبعد عنا اذا أردت ان تعرف وتقيس شاعرية الشاعر فانظر الى مفرداته التي يستخدمها وفي المواضع التي تأتي فيها وجرب هل تستطيع ان تستبدل مفردة بأخرى شريطة ان تردد المعنى جلاء وقوة ووضوحا اذا وجدت الى ذلك سبيلا امكنك ان تقدح في شاعرية الشاعر. فانظر بالله عليك الى هذه النماذج والأمثلة على قلتها هل تجد فيها مفردة واحدة نشزت أو شذت حتى تفكر في استبدالها؟ أنا لم أجد شيئا من ذلك. أنظر الى قوله: أنت السماء بدت لنا.. واستعصمت بالبعد عنافالمرأة العفيفة الطاهرة النقية الجميلة الأنيقة الرشيقة هي في بعدها كالسماء مع انها يراها الجميع ولكنها كما يقول الشاعر (استعصمت) لم يقل امتنعت ولا احتمت ولا لاذت بل قال استعصمت ثم ذكر انها استعصمت بالبعد مع انه لم يصف السماء بأنها بعيدة بل قال: (أنت السماء بدت لنا) والقصيدة من بحر الكامل المجزوء المذيل. ان هذا الشاعر الذي لا يلحن ولا تضطرب معانيه ولا مفرداته ولا تختل ولا تختلف هذا الشاعر من المحال ان يلون هو شاعر قصيدة (نشيد قومي) التي جاءت في مقرر السنة السادسة من مرحلة الأساس بكل ما فيها من اضطراب الوزن والخلل في اختيار المفردات وعدم الاتساق والائتلاف بين المفردات والتعابير.. نحن نسوق القصيدة كما جاءت في مقرر المنهج وهي: هنا صوت يناديني نعم لبيك اوطاني دمي عزمي وصدري كله أضواء ايماني البيت الأول لا غبار عليه.. بل فيه قوة وجمال وحيوية.. أما البيت الثاني فمضطرب في مفرداته. ما هو الرابط أو التشابه بين الدم والعزم والصدر؟ لا يوجد ولكن ربما كان في مخيلة الشاعر رابط يخفي على المطالع يبيته له اختيار الشاعر ولكن للأسف الوصف الذي وصف به الشاعر هذه الثلاثة لا ينطبق عليها انطباقا معقولا دعك من (كاملا) فقد وصفها بأنها (أضواء ايماني) فوصف الدم بأنه ضوء من الايمان ليس فيه شئ من الطرافة ولا المعقولية.. وكذلك وصف العزم أو وصف الصدر بأنها اضواء ايمان. يمكن ان يكون العزم صدى للايمان أو أثرا للايمان أو نتاجا للايمان.. البيت الثالث لا غبار عليه سأرفع راية المجد وأبني خير بنيان مع أن مفردة خير ليست متسقة تمام الاتساق مع راية المجد ربما اتسقت مع راية الحق او راية العدل أو راية الشرع.البيت الرابع أيضا لا غبار عليه وفيه تنوع جميل عندما قال تقدم أنت سوداني بدلا من قوله نعم لبيك أوطاني ولكن الطامة جاءت في قوله سأجعل للعلا زادي وأقضي رحلة العمر فالزاد لا يجعل بل يجمع وينفق ويوقف وليس للعلا ولكن للرحلة في طلب العلا والرحلة لا تقضي ولكن تبدأ فلو قال أبدأ رحلة العمر لكان أشبه بادريس جماع ولو قال أقضي العمر في الرحلة لكان متسقا ومفهوما .