قضيت نهار السبت الماضى مع مجموعة من الصحفيين والإعلاميين فى سجن سوبا الولائي لحضور برنامج ثقافى وتربوى أعدت له وزارة الثقافة والإعلام فرع الخرطوم ضمن البرامج التى تعدها الوزارة فى مناسبات الأعياد الدينية والوطنية . اتاح لى هذا البرنامج التعرف على السجن وادارته ونزلائه ورغم أن السجن تحيط به الخضرة والانتاج الزراعى لنزلاء السجن إلا انه سجن يودع فيه المحكومون وهم فى هذا السجن من ذوى الأحكام التى لا تتعدى السنتين أو المنتظرين لدفع غرامات مالية ليست كبيرة . السجن من الداخل تجهيزاته جيدة من حيث المساحات المظللة التى تسمح للنزلاء بالتجمع مع بعضهم البعض واداء برامجهم الحتمية اليومية ويوجد بالسجن مسجد تعكف ادارة السجن الحالية على تكملته بصورة تليق بأداء الصلوات الخمس والشعائر والسنن كما توجد مكتبة ليقضى النزلاء اوقاتهم مع العلم والمعرفة والثقافة كما ألحقت بالسجن وحدة صحية لمقابلة العلاج للنزلاء والعاملين بالسجن وتتصدى ادارة السجن بقيادة العقيد علاْء الدين لمسئولياتها بالحسم والإنضباط الشرطى مع النزلاء وفى ذات الوقت تتفاعل معهم بمراعاة الظروف والملابسات التى أودعتهم أمانة بطرفها . أما نزلاء السجن فيمثلون السودان الحالى جميع مناطق وقبائل وسحنات السودان لها تمثيل كما فيه الفئات العمرية كلها من تحت العشرين وحتى فوق السبعين وجنحهم تتباين وأحكامهم تتراوح بين السنتين والأسبوعين والغرامات المحكوم بها مابين الخمسين جنيهاً ومايزيد عن بضعة آلاف . فى السجن المهندس والطبيب والمعلم والحرفى والمتشرد أيضاً إلا أنهم تآلفوا جميعاً وتواددوا وخاطبنا ممثلهم بلسان عربى مبين وبثقافة عالية فى شتى ضروب المعرفة لم يشك من سوء معاملة أو ظلم الأحكام ولكنه طلب رفق المجتمع بهم فى نظرة الى من أودت به وأدت به ظروف ما إلى هذا المكان وإلى قدر ما من التراحم والتكافل سيؤدى بكل تأكيد الى خروج مئات النزلاء من ضيق السجن الى سعة الوطن وسماحة أبنائه . لم أشعر طيلة وجودى بين النزلاء أن فيهم مجرماً ولكن فيهم الخاطئ والخطاء رصدت عند حديثى معهم أن الكل لايريد أن يعود الى السجن ويتمنى علينا وعلى المجتمع ألا يدعه يعود . بعض النزلاء يحتاج الى خمسين جنيهاً ليعود الى ابنائه أو إلى أمه وأبيه واخوانه نعم خمسين جنيهاً وليس خمسين مليونا والبعض الى مائة ومائتين وخمسمائة ليفك أسره . كنا نسمع فى الماضى عن منظمات ذات علاقة بنزلاء السجون تسعى فى دفع الديات والغرامات وكذلك فى اصلاح وتهذيب النزلاء ودمجهم فى المجتمع لم أشعر ان لهذا المنظمات وجوداً ولاصيت . هالنى أن يبقى نزيل عجز عن سداد ايجار منزل أو نفقة زوجة أو أداء دين الى صاحبه وبمبالغ لاتزيد عن المائتين والثلاثمائة لبضعة أشهر فى السجن ينتظر قدوم الخيرين أو عفو الدائن لماذا لاتتصدى لهذا الواجب جمعية واحدة من آلاف الجمعيات التى تعمل فى المجالات الإجتماعية ونرجو أن يكون عملها خالصاً بعيداً عن رياء تحميل مئات الشاحنات بالقليل فى كل شاحنة وتزين باللافتات والإعلانات وتنقل تحركها الاذاعات والفضائيات ويدشنها كبار المسئولون والمسؤولات ويكون من بعد كل ذلك عائدها قليلاً وثوابها خسراً .