قالت له: ألست تبصر من حولي؟ فقال لها: غطى هواك وما ألقى علي بصري، وعادة ما يقرأ المحبون في عيون من يحبون ما لا يقرأه الآخرون، والحديث عن العيون ولغتها أبدع فيه الشعراء، وقد يتفقون أن لا أحد من البشر يسمع هذه اللغة، فليس لها صوت يسترق له السمع من الجيران، ولا حتى من هم في نفس البيت ولو كانوا في الغرفة نفسها. ولكن العلماء أبحروا في العيون وبحثوا عن أسرارها وما تخفيه الأعين، ففي المنتدى الشهري والذي عقد بقاعة المؤتمرات لمجلس الوزراء في فترة سابقة بعنوان (توظيف تقنية الاتصالات في الخدمات الاقتصادية والاجتماعية)، أوضحت ورقة المستشار عصام عوض استخدامات القزحية- وهي جزء يسير من تركيبة العين- أما في التوقيع الالكتروني فإنها استخدمت كوظيفة من وظائف تسخير تقنية المعلومات في التجارة الدولية، كنوع يعتمد على الخواص الكيميائية والطبيعية للأفراد، بجانب استخدام البصمة الشخصية، الشبكية، مستوى وتيرة الصوت، خواص اليد البشرية والتعرف على الوجه من خلال قياس أبعاده، وذلك لصعوبة تزوير هذه التوقيعات لعدم مطابقتها بشخص آخر. وقد نظر العلماء إلى القزحية أو الحدقة كموقع طبوغرافي، ووجدوها مقسمة أساساً إلى 12 قسماً شعاعياً (Radial) تماماً كالساعة في العين اليسرى، هي تتوزع باتجاه عقارب الساعة أما في اليمين، فبعكس اتجاه عقارب الساعة. فالطبيب الهنغاري (أجناس بيكزلي) وفي مطلع القرن التاسع عشر. كان يعمل طبيباً في أقسام الطوارئ وبفضل ملاحظته الدقيقة اكتشف أن لكل مرض- أو إصابة- علامة تظهر على القزحية، وكان يعمد لتسجيل تلك العلامات ويلاحظ مدى اختفائها، تبعاً لمراحل الشفاء، ثم ما لبث أن تطور علم قراءة القزحية على يد نخبة من الأطباء، ويرجع الفضل- بعد الله عز وجل- للطبيب الأميركي (بيرنارد جينيس) في رسم خرائط تفصيلية للقزحية، ووضع جداول خاصة توضح مواقع أعضاء الجسم والعلامات الخاصة بها على العين.. وقد تطور هذا الفرع من التشخيص، وأصبح وسيلة مقبولة للكشف عن الأمراض الباطنية والعلل الوراثية- خصوصاً تلك التي لا يشكو فيها الإنسان من علة ظاهرة.. فالقزحية ترتبط بالمخ مباشرة، وتعتبر امتداداً له من حيث كثافة النهايات العصبية والأوعية المجهرية.. لهذا السبب تظهر على القزحية دلائل خاصة لكل عضو من أعضاء الجسم، وتعد مؤشراً لحالته الصحية، وصار هناك فرع من العلوم الطبية يعرف ب (طب القزحية). والقزحية هي أكثر أجزاء العين البشرية وضوحاً، وكما يقول علماء التشريح تتكون من عضلة دائرية وأخرى طولية للتحكم في كمية الضوء العشوائية المارة إلى شبكية العين من خلال إنسان العين. أما بالنسبة لمؤلفي الروايات والأدباء والشعراء خاصة، قد تكون العيون مصدراً للرومانسية، ولكن لمصممي نظم القياسات البيولوجية، فإن القزحية تمثل مصدراً لنوع أكثر إحكاماً من التعقيد! إذ تضم كل قزحية عدداً هائلاً من المعلومات توفر قالباً متفرداً من نوعه.ولا تهتم نظم التعرف على القزحية على لون العين، وهو الشئ الذي كان يستخدم في الماضي كنوع من الهوية، بل تركز على شبكة أنماط العضلات داخل القزحية، والتي تسبب توسع أو إنكماش البوبؤ. ولجعل هذه الأنماط واضحة أكثر، وتفادي مشاكل الضوء المنعكس، تقوم الكاميرا التي تمسح القزحية، بإضاءة العين بأشعة تحت حمراء. ثم يقوم البرنامج بعزل القزحية من المسح ويقسمها إلى 2048 جزءاً للتحليل. وقدمت ماسحات القزحية الفائدة في التعامل مع اللاجئين، ويستخدم مكتب المفوض العالي للاجئين في الأممالمتحدة مسح القزحية بالتعامل مع اللاجئين الأفغان العائدين من باكستان لمنع الأشخاص من التسجيل عدة مرات للحصول على معونة إضافية. وفي المطارات أصبح المرور أمام عدسات الكشف عن الهوية من أسهل الاستخدامات في أخذ التأثيرات والمرور السريع في إجراءت الجوازات.الآن نعرف أن التوقيع الالكتروني (Digital Signatute) هو عبارة عن ملف رقمي صغير مكون من بعض الحروف والأرقام والرموز الإلكترونية، تصدر عن إحدى الجهات المتخصصة والمعترف بها حكومياً ودولياً ويطلق عليها الشهادة الرقمية (Digital Certificate) وتخزن فيها جميع معلومات الشخص وتاريخ ورقم الشهادة ومصدرها، وعادة يسلم مع هذه الشهادة مفتاحان أحدهما عام والآخر خاص، أما المفتاح العام فهو الذي ينشر في الدليل لكل الناس، والمفتاح الخاص هو توقيعك الالكتروني. والتفاصيل عن التوقيع الإلكتروني كثيرة خاصة فيما يتعلق بالتأمين وتجنب الإختراق، وبجانب تشكيل لجنة المصادقة الإلكترونية، قد تكون هناك حاجة ملحة لإنشاء هيئة للمصادقة الالكترونية قد تكون مهامها مرجعاً عالمياً للتوقيع الالكتروني، وإلى حين إنشاء هذه الهيئة يظل التكوين البشري هو الجدار الصعب الإختراق، وقد أبحر العلماء في البحث عن سر العيون، ليس كما أبحر فيها الشعراء، ولكنها كنموذج طبيعي لا يتكرر بين البشر والاستفادة، وتوظيفه في التوقيع الالكتروني.. وأثبت العلم- بدون مشاعر وأحاسيس- أنه لا يمكن أن تكون(عيونك كانوا في عيوني).