الحركة الإسلامية السودانية ومشروعها الحاكم في السودان، وانعكاسات الوضع في مصر بعد صعود الإخوان المسلمين الى سدة الحكم عبر ديمقراطية لا تثريب عليها.، بعد ثمانين عاماً ويزيد ما بين العمل الدعوي والسياسي، والتردد على السجون والمنافي، والإبعاد القهري من ممارسة العمل السياسي، الى أن وصلت مرحلة العزل والمحاكمة بالخيانة والتواطؤ مع حركة حماس، والتشويه الإعلامي وإعادة فيلم الإرهاب، هذا التداعي يحاول معارضو مشروع الحركة الإسلامية السودانية بإسقاط المشهد المصري على التجربة السودانية ومحاكمة التجربتين بقسطاطٍ غير مستقيم، رغم اختلاف النموذجين من خلال المنطلقات والظروف والبيئة الحاضنة للتجربة، ورغم أن البعض يخطئ في نسب الحركة الإسلامية السودانية الى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، والصحيح أنها قامت بفك الارتباط مع التنظيم العالمي كهيكل تنظيمي من قبل وصول الإنقاذ الى السلطة في 1989م، وأسست لمشروعها المستمد من المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد، حتى بعد وصول الإخوان الى السلطة في مصر لم يكونوا متحمسين الى التجربة السودانية.. ذات المسلك سلكه عبد الخالق محجوب «سودنة الماركسية المستلهمة من البيئة السودانية»، والتياران الإسلاميان والماركسي أفكار عابرة للدول، ولكن ما يحمد للترابي وعبد الخالق هو وضع السودانية ماركة سياسية على تلك الأفكار. وهناك اختلافات بين الإخوان والحركة الإسلامية السودانية ومن أبرزها: أولاً: الحركة الإسلامية السودانية مرت بمراحل تنظيمية متدرجة من مرحلة المرشد أو المراقب العام الى مرحلة التفكير الجمعي والانعتاق من سيطرة الفرد الملهم، عكس الإخوان الهرم التنظيمي ثابت وللمرشد سطوة تنظيمية ثانياً: ضعف عالمية التنظيم عند السودانية خاصة بعد وصولها الى السلطة وتعرضها لأزمات داخلية سياسية وتنظيمية، جعلتها منكفئة على ذاتها، وتفرغها لإدارة الدولة السودانية، بينما العالمية مرتكز ثابت في حركة الإخوان ثالثاً: الحركة الإسلامية السودانية لها تجربة راسخة في العمل السياسي عبر المشاركة في الحكومات السودانية سواء كانت مؤيدة أو معارضة، ولم تتعرض لمضايقات أو تضييق إلا في فترات صغيرة متقطعة، وهذا ساهم في اعتدال الفكر والممارسة، وساهمت في العمليات السياسية «الدستور والانتخابات» بحرية مع التشكيلات السياسية السودانية، بينما الإخوان في مصر منذ اغتيال الإمام حسن البنا مروراً بالعهود الحاكمة خاصة بعد ثورة يوليو 1952م تعرضت لمضايقات ومنعت من المشاركة في الفعل السياسي، وتعرض كوادرها للإعدام والاعتقال والتعذيب مما أثر في تفكيرها السياسي والفكري، فجاءت أفكار سيد قطب، ومحاضرات الشيخ كشك ناقمة على هذا التضييق، وأسست عقلية الإخوان وعلاقتهم بالحاكم، وكذلك حرموا من التشكيل السياسي، فاتجهوا العمل السري وانحصروا في منظومات دعوية. رابعاً: التيار العلماني في مصر راسخ وأقوى من الإخوان، ومارس ضغوطاً عليهم، بينما لا يوجد تيار علماني في السودان وليس له عمق في دولة السودان حتى 2004م، ولكن بعد اتفاقية السلام برزت أصوات تمتهن العلمانية تياراً مناهضاً لمشروع الإنقاذ الحضاري، ولكنه لا يستطيع أن يعلن ذاته صراحة إلا متخندقاً خلف قضايا.إضافة الى ذلك التدرج والانتقال من مرحلة الى أخرى في تنظيم الحركة الإسلامية السودانية، والتماهي مع الوضع القائم، حيث كانت البدايات دعوية غلبت عليها السرية لظرف سياسي «الاستعمار»، وفي الحكومات الوطنية حمل التنظيم مسميات «الأخوان، جبهة الميثاق، الجبهة الإسلامية القومية، المؤتمر الوطني»، ولكل مرحلة أو مسمى سهم في المدافعة السياسية السودانية، خاصة فترتي الجبهة الإسلامية وتجربة الموتمر الوطني الحاكم الآن، وفيهما جرت فوق وتحت دهاليز المسرح السياسي أحداث ومجريات ومنعطفات وانزلا قات أثرت في بناء الدولة السودانية، وبهذا تحاكم الحركة الإسلامية السودانية على تجربتها في الحكم. حافر وصهيل من أصوب القرارات التنظيمية التي قررتها الحركة الإسلامية السودانية الانفصال عن التنظيم العالمي، واستنباط فكرها السياسي من الحالة السودانية بتعددها، والناظر في مسيرتها خاصة مرحلة الحكم يجدها تعبر عن الحالة السودانية، وتجبرها حركة المجتمع السوداني الى التراجع عن بعض برامجها، فهي ليست كما كانت في 1989م، أن صعود وهبوط التيار الإسلامي في العالم العربي ليس لديه تأثيرات على التجربة السودانية، لأنها منشغلة بالشأن الداخلي وأزماته، والأهم ذوبانها في الحراك المجتمعي السوداني.