كلمة الاقتصاد بالانجليزية Economic مأخوذة من الاغريقية القديمة من كلمتين هما (OIKOS) وتعني المنزل+NOMOS وتعني القوانين والادارة وبهذا يكون معنى ECONOMIC هو إدارة المنزل. بدأت فكرة نظريات الأقتصاد بملاحظة إدارة ربة المنزل لمواردها المتاحة والطريقة التي توظف بها ربة المنزل هذه الموارد لتحقيق استقرار المنزل وسلامة سكان المنزل من كل النواحي والمتطلبات الرئيسية المتمثلة في المأكل والمشرب والنظافة والراحة.. زاد الاهتمام بالاقتصاد ونظرياته لمواكبة نشأة البيوت الكبيرة وهي الدول التي تضم الامم في هيئات شعوب وقبائل تكاثرت بدرجة ومعدلات اكبر من الموارد المتاحة وظهرت في المجتمعات حالات الندرة في بعض السلع الرئيسية وفي المياه ومواردها وتطور علم الاقتصاد بسرعة لمواكبة عدم التوازن بين الطلب والعرض حتى سمي علم الاقتصاد علم الندرة. نشأ طبقاً لذلك علم الإحصاء كجزء مكمل ومهم في اعمال نظريات الاقتصاد ونشأ علم الإحصاء اولاً في الزراعة لاستقراء نتائج المستقبل قياساً على معلومات الماضي وبدأ الربط بين توقعات زيادة السكان وزيادة الرقع الزراعية وبدأ التفكير في مسألة التخزين والتحسب لحالات الندرة.. ولعل قصة سيدنا يوسف أول وزير مالية في الدنيا مع عزيز مصر عندما تنبأ له بأن مصر مقبلة على سنوات عجاف يقل فيها الزرع، ونصحه بانشاء المخازن لحفظ المحصول الوافر في أعوام الوفرة وادخاره لسنوات الندرة، وكانت هذه أولى نظريات الاقتصاد التي اعتمدت على التوقعات الخارقة فوق الطبيعية والتي اختص بها الأنبياء والتي إجتهد فيها بعض البشر لتوقع الأشياء بقوانين الإحصاء الوضعية واستمر التحسب للندرة في المياه بوسائل عديدة لحفظ المياه، وذلك ببناء السدود والقناطر والخزانات الضخمة في مجاري الأنهار والحفائر في مساقط الأمطار. تطورت وسائل ونظريات الاقتصاد لتشمل ترشيد الإستهلاك وقوانين العرض والطلب وكيفية خلق التوازن فيها. ثم نشأت البنوك لإدارة عجلة الكتل النقدية وتداولها السليم في الدولة بحجم وسرعة محسوبة بدقةٍ ، واصبحت الكتلة النقدية في اي دولة وسرعة دورانها مؤشراً لقوة الاقتصاد كما في علم الديناميكا الذي يقول إن قوة الدفع Momenum تساوي حاصل ضرب الكتلة في السرعة بمعنى- ان قوة دفع شاحنة وزنها ثلاثين طناً وسرعتها خمسين مليون في الساعة يساوي الف وخمسمائة أو وزن قذيفة نصف طن وسرعتها ثلاثة الاف كيلو متراً في الساعة يساوي ايضاً الف وخمسمائة- عليه وحتى يكون الاقتصاد سليماً يجب التأكد من أن كل الكتلة النقدية داخل هذه الدائرة البنكية وتدور بالسرعة المثالية العادلة حتى تكون قوة الدفع ثابتة والاقتصاد معافى.. أمثلة اختلال قوة الدفع هذه: جزء كبير من الكتلة النقدية خارج الدائرة المصرفية موجودة في خزائن خاصة في المنازل وأماكن العمل محفوظة لعمليات تجارية غير مرئية مثل تجارة العملة، العربات، المخدرات وكافة الممنوعات ومثال آخر لعدم دوران الكتلة النقدية وإن كانت داخل النظام المصرفي يتمثل في تجنيب أموال طائلة خارج دائرة وزارة المالية ويكون دورانها بطيئاً وفي أغراض ضيقة أو حصر دوران أموال البنوك في أشخاص أو شركات قليلة تأخذ وقتاً طويلاً لاعادتها للدوران ومرات تصل حد التعثر وتكثر طبقاً لذلك اعلانات بيع الأموال المرهونة كما يحدث الآن اذ لا تخلو اي صحيفة من ثلاثة أو أربع اعلانات يومياً لبيع الأموال المرهونة بأمر مدير البنك المعني والمؤسف أن تثبت تماماً أن قيمة المرهونات هذه لا تساوي في أحسن الحالات اكثر من 30% أو 40% من حجم الكتلة النقدية التي أُخرجت لصالح عدد قليل جداً من المواطنين. كان ذلك مقدمة بسيطة عن الاقتصاد ونشأته ولكن يظل الانهيار الاقتصادي أخطر من الانهيار السياسي اذ ان الانهيار الاقتصادي مثل السرطان يبدأ دون ان يهتم به الحكام ويستمر لسنوات حتى يظهر بعد فترة قليلة وبآثار مدمرة يصعب علاجها وتموت الدولة، أما الانهيار السياسي فمؤشراته واضحة وعاجلة ودائماً ما تحسم في الدول المتقدمة بتغير الحكومات والأحزاب وفي الدول المتخلفة تحسم بالانقلابات العسكرية.. لا يوجد تعريف دقيق للانهيار الاقتصادي ولكن بتعريف مبسط هو فشل الدولة في موازنة وارداتها المحلية مع مصروفاتها المحلية الضرورية مثل المرتبات، الخدمات المهمة الضرورية مثل التعليم، الصحة، المواصلات، المياه، الكهرباء، الدواء والسلع الضرورية يعني افلاس الحكومة من المال اللازم لإدارة الدولة لذلك تلجأ الحكومات الى الاستدانة من البنوك، أو طبع عملات جديدة أو اصدار سندات ادخار.. الاستدانة وطبع العملات اجراء مدمر للاقتصاد اذ يؤدي مباشرة الى التضخم القاتل، وموت العملة، وفقدان سندات المواطنين لقيمتها.. عالمياً استعمل لفظ الانهيار الاقتصادي لوصف حالات عريضة لسوء الاقتصاد نتيجة لكساد حاد مفاجيء أو كساد مزمن لفترة طويلة في ظل حالات افلاس أفراد متكرر. ويصاحب ذلك ارتفاع نسبة العطالة وغالباً ما يترتب على الانهيار الاقتصادي حالات فوضى، اضطرابات اجتماعية، ومظاهرات، وعصيان مدني والذي كثيراً ما يؤدي الى انفلات أمني خطير يصعب التحكم فيه ويحيل المجتمعات الى جحيم لا يطاق وآثار الانهيار الاقتصادي طبقاً لذلك اكثر دماراً من الانهيار السياسي لذلك أقول للذين يفكرون في اسقاط النظام عبر الانهيار الاقتصادي ان هذا الطريق شائك ووعر وآثاره المدمرة تسقط السودان في مستنقع عميق يسع ويستوعب كل الناس حتى المعارضين قبل أن يسقط النظام. الانهيار الاقتصادي لم ولن يسقط الأنظمة ومن الأمثلة في التاريخ الآتي: ü 1852-1870 حدث انهيار اقتصادي في الصين وكان عدد ضحايا المواجهات مائة مليون شخص. ü 1918-1919 الثورة في ألمانيا بعد الحرب العالمية الاولى انهار الاقتصاد ! وقامت الثورة ومات الألآف وحاولت الحكومة تفادي الانهيار بطباعة عملات حتى فقدت كل قيمتها والتي خير ما يمثل ذلك قول امرأة المانية «كنت أحمل النقود في جيبي قبل الحرب وادخل السوبر ماركت واخرج منه بعجلة (ترولي) مملوءة بالسلع والآن أدخل السوبر ماركت بعجلة (ترولي) مملوءة بالأوراق المالية وأخرج من السوبر ماركت بسلع في جيبي». ومن الأمثلة الإنهيار أو الكساد العظيم في امريكا عام 1920-1929 لم تخرج امريكا منه إلا عام 41.. عليه أرى ان تكون حزمة الاجراءات كما يلي: (1) وقف كل الحروب في السودان والتنازل عن المواقف المتشددة غير المبررة في هذه الظروف. (2) اعادة العلاقات خاصة التجارية مع دولة الجنوب بصورة فورية. (3) مصالحة المجتمع العربي المؤثر والمساند لنا تاريخياً خاصة السعودية ودول الخليج. (4) تطبيع العلاقات مع امريكا، بريطانيا والمانيا وعدم مناطحة طواحين الهواء مثل دون كيشوت، يجب ان نكون واقعيين نحن لا نقوى على مثل هذه المواجهات وكما يقال ألا رحم الله أمرء عرف قدر نفسه. (5) اعادة كل الأموال المجنبة بأي شكل من الأشكال الظاهرة والخافية واعادتها الى دائرة الاقتصاد الرسمية في وزارة المالية. (6) اعادة هيكلة الحكم بصورة عاجلة والغاء كل الولايات خاصة القبلية وحكم السودان فيدرالياً في ثمانية أقاليم كبرى.. وبذلك نوقف نزيف الأموال في هياكل الحكم المترهلة وايقاف نزيف الدم والمال في حروبات دارفور القبلية والسياسية وفي جنوب كردفان والنيل الأزرق وبهذا نوفر مالاً اكثر بكثير من رفع الدعم عن المحروقات. واخيراً وسابعاً وبعد- مجرد الاعلان عن خطة لتنفيذ ما تقدم ذكره من (1) الى (6) يمكن ان يكون منطقياً قبول تنفيذ حزمة الاجراءات المزمع اعلانها وهي وفي تقديري مخرج وحيد وعاجل لابد منه لتفادي الانهيار الاقتصادي المدمر للجميع.. ولو يعلم ذلك الراغبون في إسقاط النظام. الانهيار الاقتصادي مصطلع علمي خطير به يسقط السودان قبل النظام.. والله الموفق