من سنار:- عندما جلست إلي الشاعر الفحل مصطفي ود المأمور في بيته العامر وفي حضور زوجته المحترمة، دار بيننا الحديث العذب الجميل،وقالت زوجة ود المأمور الراقية في نبرات هادئة،أبونا فيلوثاوس أنت واحد من أفراد أسرتنا،وإنني اذكر يوم أن جاء العريس لإحدي بناتنا الجميلات،هدي صديقة ابنتك حضرت ياأبونا لمقابلة أسرة العريس باعتبارك أبو العروس التي كان أبوها قد رحل إلي الرفيق الأعلي،وشكرت زوجة الشاعر علي مشاعرها الرقيقة،وقلت لها يشرفني هذا،وأذكر أنني كنت علي معرفة بأسرة العريس،وقال الحاضرون وقتها أنت أبُ حنون للعروس والعريس،وعندما جاء دور الشاعر مصطفي ود المأمور للحديث بدأ من حيث أحب واعتز حيث تحدث معي عن مدينة سنار،وعن أقباط سنار،وعن القبطي السناري مرسال جرجس ذلك التاجر الأمين الذي كان عونا لكل محتاج،والذي كانت زوجته من أسعد نساء الأقباط لأن بيتها ملاصق لكنيسة الأنبا ابرام في سنار،وكانت ترعي راهب الكنيسة رعاية تفوق أي رعاية،وبعد هذا تحدث ود المأمور عن معلم كبير من معالم سنار المدينة العظيمة التي كانت حاضرة السودان أيام ممالك الفونج،والتي كان لها جمال المدن وروعتها وبهاؤها،وهذا المعلم هو الأديب القبطي المتألق بادبه المزدهر بعلمه،نبيل غالي جرجس،والذي حتي الآن يسير في مسيرته الصحفية كملاك قادم من سماء الفكر، وكناسك في منسك الصحافة والأدب،والطريف جداً أن نبيل غالي بدا الفن فنانا تشكليلياً متيما بفنه وكان شقيقه جميل غالي مغرما بفن القصة،ولكن لاتدري ماذا حدث فقد تبادلا الغرام فصار نبيل للقصة وجميل للفن التشكيلي. وكان نبيل غالي موظفا في سنار،في المواصلات السلكية واللاسلكية،ولكنه في المساء كان يقف في الكانتين يبيع الشاي والقهوة،وصار الكانتين صالونا أدبيا راقيا يلتقي فيه الشعراء والأدباء مثل عادل الشوية،ومبارك الصادق ومحمد الفكي ابراهيم ،وكان صالون نبيل غالي موقعا مميزا لمناقشة قضايا الفكر والأدب،وكانه صالون جورج مشرقي في أم درمان وبعد هذا كان من الطبيعي أن يغير نبيل وظيفته الحكومية إلي الثقافة والاعلام بسنار.وقد كان نبيل ناضجا وفنانا منذ صغرة ففي سن العشرين عاما نشر أول قصة له في مجلة الاذاعة والتلفزيون1969م ،وفي سن الخامسة والعشرين نشر أول مجموعة قصصية قصيرة له تحت عنوان إتكاءة تحت عيون حبيبتي ونبيل من أعضاء كنيسة الشهيدين،ويرتادها بين الحين والآخر،وقد كنت في زيارته بصحبة الابن مينا سعد رياض،وهو أديب ابن اديب،وهو شاب يريد أن يحيا سيرة أبية بان يسير في طريقه الأدبي،وطالبت في الزيارة أن يقدم إلي نبيل غالي بعض الكتب والقصص التي نشرها، ولكنه اعتذر بأنها ليست لديه،وهنا طالبته أن يذهب إلي دار الوثائق،ويبحث عن هذا الكنز المفقود ،الذي أرجو ممن يعثر عليه بين كتبه أن يحضره سريعا حتي نستفيد به،لأن القصة تظل دوما سجلا تاريخيا لعصرها،ومنهلا عذبا لكل جيل. وزير الثقافة: وقد أحسن الأديب والخطيب والشاعر الرقيق،عمر الحاج موسي عندما طلب نبيل غالي لكي يحضر من سنار إلي الخرطوم،وكان اسماعيل فم الذهب لثورة مايو،وخطيب النميري المفضل،ورجل الثقافة الذي قاد المؤتمر الثقافي الأول،والمؤتمر الثقافي الثاني حيث حضر نبيل غالي ليرافق الأديب المصري يوسف ادريس،أثناء فعاليات المؤتمر،وكانت فرصة نبيل لكي يعرض مجموعته القصصية علي القاص المميز يوسف ادريس،وأشاد الأديب الكبير بالأديب نبيل،بل إن نبيل قد وفق في اجراء حوار أدبي مع يوسف ادريس جاء في جريدة الأيام،وكانت الفرصة مواتية لأديبنا القبطي نبيل غالي لكي يلتقي بالكثيرين من الأدباء المرموقين وعلي رأسهم نزار قباني وعبد الرحمن الأبنودي. وفي الخرطوم عاصمة الثقافة والحضارة كانت فرصة نبيل غالي أن يستقر فيها،وأن تظل سنار مدينة صباه في قلبه ووجدانه، وعمل نبيل بالصحافة،بدءا بالسياسة، والمجالس،والرأي الآخر،والأهرام،وهو الآن أحد أقطاب أسرة جريدة اليوم التالي التي وصل عدد طباعة كل يوم فيها بثلاثين ألف عدد وسوف يزيد. وقد كان نبيل غالي مع زملائة القبطي جمال عبد الملك ابن خلدون، ومجذوب عيدروس، وعبد المطلب حسن ومحمود محمد ود مدني،ومعاوية البلال أسرة تحرير مجلة الخرطوم التي كان يصدرها مكتب الثقافة والنشر التابع للهيئة القومية للثقافة. ومن ثم صارت شهرته عالمية،فشارك في مهرجان المربد بالعراق عامي 1987،1988م،وانتخب عضوا في اللجنة التنفيذيه لإتحاد الأدباء الذي رأسه مبارك المغربي. أما نادي القصة السوداني فقد قام بتكريم نبيل غالي بتخصيص جائزة نبيل غالي للقصة القصيرة،وأعلن عن أول نموذج لها في اغسطس 2011م،وكان منبر أدباء وزارة الثقافة،حيث تحدث عبد الباسط عبد الماجد الوزير الإتحادي،الشاعر والأديب والمهندس صديق مجتبي،مجذوب عيدروس كلهم تباروا في الحديث عن نبيل غالي،حيث قال صديق مجتبي في هندسة كلماته الراقية:نبيل غالي..لاتحسب أنه مفردة خارج منظومة سنار،التي ضمت عبر تاريخها كل الأجناس العرقية العتيقة،فهو من معاقر السناري، ومن محابر ود ضيف الله،ومن محابر علماء سنار،وسنار كلها تحتشد داخل نبيل غالي ولهذا احتفلنا به،صاحب قلم وصاحب مفردة،وصاحب قصة،وصاحب عقلية وحبكه قصصية. بينما ذكر مجذوب عيدروس أن تكريم نبيل إنما يعني أن الحركة الثقافية السودانية محصنه ضد التهميش،فلقد جاءت معظم القيادات الثقافية والأدبية من أطراف السودان. وقد قام النادي القبطي في عيده السنوي سنة 2012م بتكريم نبيل غالي،أما رئاسة الجمهورية في برنامج الراعي والرعية فقد قامت بتكريم نبيل في بيته وسط جيرانه هذا العام،رمضان 2013،وجاء وفد من الأدباء والوزراء وعلي رأسهم الدكتور نافع علي نافع،واعتقد أن تكريمه هذا العام،وتكريم أول اذاعي قال هنا أم درمان وهو القبطي حلمي ابراهيم، يعد تكريما لكل أقباط السودان.