النظام يريد» عنوان مثير للدهشة والانتباه اختارته فرقة الأصدقاء المسرحية عنواناً لمسرحيتها التي تعرض منذ فترة طويلة على خشبة مسرح قاعة الصداقة بالخرطوم، استوقفني هذا العنوان كثيراً ووضعت حوله عدداً من الاستفهامات خاصة وأن العادة درجت كما تابعناها في بلدان الربيع العربي من حولنا من البلدان الناقمة والمعادية لأنظمتها السياسية الحاكمة تخرج للشوارع والميادين وتهتف بنغمة واحدة حفظها كل مواطن عربي الصغير قبل الكبير وهي «الشعب يريد تغيير النظام» لذك دفعني هذا العنوان المثير أن ادخل هذه المسرحية عدة مرات حتى أخرج برؤية كاملة عنها وأعتقد أنني وصلت لذلك ولخصت مجملها في أن رسالة هذه المسرحية تود أن تقول: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».. بمعنى أنها رسالة للفت الأنظار لكل من يهمه أمر هذا البلد على مخلتف الأصعدة خاصة السياسية بألوان طيفها المختلفة بكل مسمياتها وكل أبناء هذا الشعب.. حيث تناولت «النظام يريد» موضوع ثورات الربيع العربي بطريقة مختلفة وجاذبة وعميقة للغاية عكست خلالها كل التداعيات المصاحبة لهذه الثورات في البلدان من حولنا بعد نجاح ثوارها في الإطاحة بأنظمتهم الحاكمة وما انعكس عليهم بعد ذلك إيجاباً وسلباً.. كما أنها لم تنسَ في تناولها الواقع والراهن السياسي في السودان، وهذا الوضع طبيعي جداً لكل دراما جادة، وناقشت كل القضايا ومطالب الشعب ملامسة كل الأوتار الحساسة ولكن بأسلوب احترافي مدهش للغاية بحيث يتقبله الحاكم والسياسي والمواطن دون أي غضاضة وذلك لسبب بسيط جداً هو أنها عكست حقيقة ما يجب أن يكون لمصلحة كل بلد يود أن تسير مواكبه للأمام كما أنها استطاعت أن تبعث رسالة واضحة مضمونها أن كل شعوب الربيع العربي من حولنا التي غيرت أنظمتها الحاكمة وحققت مبتغاها الذي تراه الخيار الأفضل لها ولكنه تم بعشوائية وقصر نظر لمستقبل الأحداث بعد ذلك وظهرت نتيجته سريعاً من خلال ما نشاهده فيها حتى هذه اللحظة من فوضى واضطرابات أمنية ما زالت عالقة فيها حتى الآن، وأشارت المسرحية إلى أن المشكلة في الأساس في هذه الشعوب نفسها لأن المعاناة لا تنتهي بتغيير الأنظمة الحاكمة ما لم تكن الشعوب جزءاً حقيقياً وفاعلاً في هذا التغيير المنشود من خلال تغيير السلوك والعادات والمثابرة والاجتهاد في العمل في مختلف المجالات لزيادة عملية الإنتاج والأهم من كل ذلك المحافظة على كل مكتسبات البلاد من الخراب والدمار حتى لا تضيع، لذلك أعتقد أن هدف هذه المسرحية «النظام يريد» حسب وجهة نظري هو تغيير يشمل الشعوب نفسها قبل اتخاذ قرارها بتغيير أنظمتها السياسية الحاكمة.. لذلك لم أجد أي دهشة في نجاح «النظام يريد» وتهافت القنوات العربية لكتابة التقارير عنها.. لأن هذا النجاح يرجع في الأساس لجوهر الفن وهو الاختيار الصحيح لما يقدم للجمهور من أعمال تلامس واقعهم تدفعك لأن تتنبأ بالنجاح قبل بداية العرض.. وأعتقد أن النظام يريد مثلت درساً جيداً لما يقدم للجمهور مستقبلاً.. لذلك أعتقد في المقابل أن النظام يريد هي بمثابة نقطة تحول كبيرة ومهمة في المسرح السوداني وضخت الدماء في عروقه اليابسة وأعادت الجمهور للمسرح مرة أخرى بهذه الكثافة العالية يومياً بعروض فاقت ال150 عرضاً وأثبتت أن الجمهور موجود ومحب للمسرح ولكن عبر أعمال تناسبه وتلائم واقعه وتعكس قضاياه واحتياجاته ومطالبه خاصة وأن العالم الآن متطور جداً والواقع متغير والجمهور محاط بتكنلوجيا عالية من حوله عبر فضائيات تجلب كل الأخبار والأفلام وتقدم أحدث العروض أحاطت بها المشاهد الذي بات لا يقبل بعرض مسرحي أقل من ذلك. كما أثبتت «النظام يريد» أن روح الإبداع ما زالت متدفقة في أوردة فرقة الأصدقاء المسرحية ولم تنقطع جينات الموهبة فيهم وقدمت نجوماً شباباً جدداً صاعدين للمسرح والدراما السودانية وجاوبت بذلك على السؤال الذي ظل يطرح باستمرار وهو هل بإمكان واستطاعة فرقة الأصدقاء المسرحية أن تقدم عملاً ملموساً ومبدعاً بعد مسرحية «المهرج»؟.. لذلك أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال واضحة وضوح الشمس للعيان الآن. والتحية نبعثها من هنا لكل نجوم المسرحية في مقدمتهم جمال عبد الرحمن ومحمد نعيم سعد ود. فيص أحمد سعد وبت العرب سامية عبد الله وإخلاص نور الدين وعوض شكسبير والنجم الساطع والمنطلق بسرعة الإفلات محمد عبد الله ومصطفى أحمد الخليفة والمخرج الشاب صاحب البصمات الإبداعية أبو بكر الشيخ فشكراً لكم فقد عكستم حقيقة ما يجب أن يكون. نقطة طريفة: المضحك أن «النظام يريد» لم تنسَ في نقدها إدارة التلفزيون القومي وصبت نقداً لاذعاً له لتجاهله للدراميين بصورة عامة وضحكت وأضحكت الناس بأنه أصبح مبانٍ من غير معانٍ باتجاه إدارته لبناء أبراج وتركت المضمون.