ü أخيراً وبعد أكثر من خمس سنوات وعشرات الجولات من الكر والفر على موائد التفاوض، تمكنت مجموعة الدول الكبرى (1+5) وايران من الوصول إلى اتفاق مبدئي- اتفاق إطار واختبار نوايا- حول مشروع إيران النووي المثير للجدل بمحظوره ومحاذيره المتمثلة في حصول إيران على السلاح النووي.. إيران التي ظلت تؤكد دون ما جدوى على سلمية مشروعها وأهدافه التنموية، بينما لسان حال الغرب وإسرائيل ودول الجوار ظل يردد دوماً: «من يقنع الديك الفارسي إننا لسنا حبة»! ü الاتفاق الذي توصلت له الأطراف في جنيف منذ ثلاثة أيام يرسم إطاراً لكيفية التعامل مع مطلوبات الطرفين، فالدول الغربية واسرائيل بزعامة الولاياتالمتحدة تريد أن تتأكد من أن طهران لن تتحول بمشروعها النووي من الأهداف السلمية إلى تصنيع السلاح والحصول على القنبلة النووية، عبر آليات محددة وافق عليها الايرانيون.. تتمثل في السيطرة على عمليات تخصيب اليورانيوم وتفكيك قدر من أجهزة الطرد المركزي، بحيث لا تتمكن إيران من التخصيب بأعلى من نسبة (5%) في كل الأحوال، وأن تتخلص من مخزونها النووي البالغة نسبة تخصيبه (20%) بواسطة «التخفيف والتذويب بحيث يصل إلى (4%)، وأن يتم ذلك كله تحت نظر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أعطتها نتائج المفاوضات حق التفتيش المفاجيء والمستمر، وتشديد الرقابة على المفاعلات الايرانية المعلن عنها، وتلك المتوقع وجودها في الأراضي الايرانية بصورة سرية، وهي آلية يتشكك البعض في جدواها العملية في مواجهة التدابير الايرانية. ü مطلب إيران الرئيسي في المفاوضات كان هو رفع المقاطعة الغربية عنها، وفك حظر أموالها المجمدة في البنوك الغربية والأمريكية بوجه خاص، وكانت الولاياتالمتحدة قد وافقت في جولات سابقة على فك حظر (5) مليارات دولار من أصل (100) مليار مجمدة، رفعت خلال الجولة الأخيرة إلى (7) مليارات، كما وافقت على رفع المقاطعة لمدة ستة شهور هي فترة اختبار للاتفاق الاطاري.. فإيران التي صرفت- بحسب الخبراء- نحو (160) مليار دولار على مشروعها النووي تشكو مُر الشكوى من الآثار المدمرة التي ألحقتها المقاطعة الأمريكية والغ ة تخصيب اليورانيوم، لأنها تشك في أن تلتزم إيران بحصر أهدافها في الاستخدام السلمي لهذه الطاقة، ولابد أن لديها من المعلومات الاستخبارية ما يغذي مثل هذه الشكوك.. أما دول الجوار في الخليج العربي فلا تبدو أنها مرتاحة لهذه الصفقة، التي تجاهلت إلى حد كبير مخاوفها وأسباب قلقها التي لا تنحصر فقط في حصول ايران على الأسلحة النووية، وإنما تمتد لما هو أهم من ذلك في محاولة الهيمنة الآيديولوجية والتدخلات السياسية في الاقليم، بالاضافة إلى المخاطر التي تنطوي عليها الصناعة النووية في حد ذاتها، وهو الأمر الذي لم يؤخذ في حسبان المتفاوضين في جنيف. ü فالمفاوضات لم تعط حيزاً لقضايا مهمة تتصل بدور إيران الاقليمي، وما يشكله من تعقيدات تضرب الاستقرار في الشرق الأوسط في بلدان مثل سوريا والعراق ولبنان والبحرين، ويشبه المراقبون «صفقة جنيف النووية» بتلك الصفقة التي تمت مع سوريا مؤخراً لتفكيك «منظومة أسلحتها الكيماوية»، التي أطلقت يد النظام السوري في المواجهة مع المعارضة بالأسلحة التقليدية، وتوقعوا أن تجد ايران نفسها أكثر حرية في التعاطي مع «طموحاتها الإقليمية» وهي خشية تسندها العديد من الشواهد والسوابق. ü على المستوى الداخلي الإيراني رصد المراقبون أيضاً ارتياحاً واسعاً في أوساط الإيرانيين، الذين اعتقدوا أن الصفقة ستحررهم من أعباء الصرف «البذخي» على المشروع النووي في وقت تعاني فيه أغلبية الشعب من الفقر والفاقة. ü مهما يكن من أمر فإن اتفاق جنيف قد وضع حداً لاحتمالات الحرب وأبعد شبحها في المستقبل المنظور، إذ لا تستطيع اسرائيل أن تغامر بخسارة حليفها الرئيس الولاياتالمتحدة وحلفائها الآخرين بشن هجوم على المواقع النووية الايرانية، وهو بشكل أو بآخر يمثل خسارة كبيرة لايران- أملتها ظروفها الاقتصادية- فإيران كانت تؤكد طوال الوقت أن التخصيب والحصول على الطاقة النووية حق وطني مشروع لا يستلزم إذناً من أحد، لكنها في آخر النهار وافقت على «وضع المشروع في الفريزر» حتى إشعار آخر.