وبالأمس كنا في صالون الدكتور أمين حسن عمر، ذاك الوثير والمثير، والذي نصب أركانه وصولجانه على صفحات جريدة الخرطوم.. وكان الرجل قد اجتاحته أعاصير هائلة من الوله والتوله بالإنقاذ حتى قال- ويا لعجب وغرابة ما قال- وهو أن طلب من الشعب بل كاد ينشد مع الخليل.. يا نزالنا أمرقو الذمة.. الرجل يتحدى بأن نختار أي 25سنة ولمدى خمسين سنة من حكم السودان وحتماً- كما يرى- إن الإنقاذ هي الأفضل. ونحن يا دكتور نسأل ولم هذا التواضع.. نحن نزيدك كيل بعير.. ونعود بك وبالأحبة القراء بل بكل أبناء وبنات الوطن.. بل نعود بالوطن.. «ذاتو» لنبدأ الحكاية منذ دخول كتشنر إلى السودان.. عبر مجزرة كرري نعم نضم حتى «الاستعمار» للقراءة والتقييم.. ولم لا.. ألم يكن حكماً مرّ على هذا الوطن الجميل والجريح.. ونطمئنك يا دكتور عندما نضيء المصابيح «ونتحاوم» في صفحات تاريخ تلك الحقبة الاستعمارية والتي دامت لمدى خمسة وخمسين سنة وتزيد.. لنجد تلالاً من الانجازات وجبالاً من الابداعات.. وركاماً من النجاحات.. لا تظن بنا عمالة أو ممالاة للاستعمار لرخاوة في وطنيتنا التي ظللتم توزعون صكوكها منذ هبوب اعصاركم، ولمدى ربع قرن من الزمان، وكيف انكم تصنفون المواطنين بصكوك غفرانكم الهاطلة «يوماتي» كوابل المطر.. تستهلون نعوت الخيانة والعمالة والطابور الخامس وتوغلون في هذاالطريق حتى تصلوا إلى هذا فاسق، وهذا مرتد، وهذا خارج الملة، وهذا كافر، بعد أن تجاوزتم نعوت العلمانيين والمارقين والموالين للشيطان الأكبر.. أقول لا تظن إننا نوالي الاستعمار.. فأنا شخصياً اشعر بل اتيقن أن لي نصيب أسد في هذا الوطن الجميل.. وأتيقن إن لي سهم فارس في استقلاله المجيد. أنا ولله المنة والحمد.. والشكر آناء الليل وأطراف النهار قد ورثت أوسمة ممهورة بالدم أباهي بها أتيه بها وهي تطوق عنقي وتزين صدري.. جدي لأبي مزقته دانات السردار وهو يدافع عن تراب هذا الوطن الجميل.. ولا نعرف إن كان له قبر أو هو كان في النهر الذي طفح بالضحايا بالدماء القانية.. أو أضحى جمجمة تلعب فيها الريح أسفل جبل كرري. نعم رغم هذا نحن لا ننكر أي انجاز تم في عهد اولئك الغزاة.. نحدثك عن اهرامات شاهقة شادها هؤلاء الانجليز الكفرة.. إهراماً من الانجاز إثر إهرام.. ونحدثك أيضاً كيف في عهدكم الذي تتباهى به وتزهو كيف هدمتموه واهلتم عليه أكوام التراب.. أقام أولئك الكفار وفي حقبتهم الاستعمارية سكك حديد السودان، نسجوا بالفولاذ شبكة هائلة من الخطوط الحديدية وأجروا فوقها القطارات التي لملمت عرى وشمل الوطن.. قطارات تدوي صفاراتها لتستيقظ المدن والقرى، ويدب في أوصالها نبض الحياة.. عانق الشرق الغرب واحتضن الجنوب الشمال.. روعة تصميم ومهارة تشغيل وكفاءة مؤسسة قطارات يضبط الناس على مواعيدها الساعة.. ورشة مركزية في عطبرة سقى عرق عمالها المتفصد من الحياة، سقى ذاك العرق الزكي الفولاذ.. وأفرز كل ذلك تلاحماً بالكتوف والسواعد ووعياً أضاء كل جنبات العقول.. أليس هذا انجاز هائل ومدوي؟ ثم أين هي السكة الحديد في عهدكم الميمون؟ ألم تتفكك صواميلها صامولة.. صامولة.. ألم تصبح جملوناتها هياكل تصفر فيها الريح.. نعم هذا هو الانجاز رقم واحد الذي تم في عهد حقبة أو تحت ظلال حكم سابق للإنقاذ..وهذا هو الذي هدمته نفس الإنقاذ.. وبكرة نذهب إلى انجاز آخر وكيف هدمتموه هو الآخر..