لم أصادف قراراً إتخذته الحكومة وكانت موفقة فيه مثل:قرار تكريم هذا الرجل! في احتفالات الحصاد في مدينة القضارف كرمه رئيس الجمهورية بوسام الانتاج الذهبي تقديراً وإعترافاً بدوره البارز في تطوير وسائل الإنتاج الزراعي، وبوحه خاص في مجال زراعة الذرة المطرية، حيث حقق طفرة كبرى في الإنتاج كماً وكيفاً؛وهو تكريم صادف أهله.الحيثيات المباشرة للتكريم تتلخص في تجريب تقنية جديدة في(50) ألف فدان تقلل من تكلفة العمليات الزراعية (بدون حرَّاتة) وتوسيع المساحة ومقاومة لقلة الأمطار ولكن للنجاح هنا جذور ممتدة للخمسينيات تجعلنا أن نعتقد إن التكريم هنا للماضي والحاضر!! الخلاصة إذن أن السيد وجدي ميرغني المحتفى به كقائد لمجموعة شركات (محجوب-أولاد) جلس الآن على عرش (المزارع الأول) في السودان الحديث. *** صاحب الوسام من مواليد 1959م وخريج علوم جامعة عين شمس في مصر. عمل بالقضارف في مجال الزراعة الآلية منذ تخرجه في عام 1982م. بدأ هناك سلسلة طويلة من المشاركات الاقتصادية والاجتماعية نذكر منها: عضو اتحاد المزارعين عضو لجنة الزكاة مدير تنفيذي للشركة الزراعية الأفريقية- عضو اتحاد الغرف التجارية أسس شركة محجوب أولاد التجارية محجوب أولاد الزراعية القضارف تطوير الشركة الزراعية الشركة السودانية الكندية لتجميع المعدات الزراعية ورش الآلات الزراعية في القضارف محجوب أولاد للغرابيل والقشارات بورتسودان مجلس صادرات الذرة الآن رئس غرفة الصادر....خلاصة هذا الحراك الممتد من الثمانينيات تسمى الآن(مجموعة شركات محجوب أولاد). هذه المجموعة هي التي ورثت نشاطات والدهم المؤسس الأول(ميرغني محجوب محمد) وهو من أوائل الخبراء الزراعيين السودانيين الذين سودنوا ادارة العمل الزراعي في بداية الخمسينيات. يعتبر والدهم من آباء الزراعة الآلية ، ومن مهندسي (القوت) في السودان ، وفوق المناصب الوزارية العليا مارس السياسة ممثلاً لدائرة حلفا الجديدة في برلمان اكتوبر 1965م. بدأ العمل في المجال الزراعي مع الخمسينيات بانتاج الذرة والسمسم في مشاريع شمال القضارف، ثم توسعت امتدادات المشاريع الى جنوبالقضارف مع إدخال محاصيل جديدة كالقطن وزهرة الشمس. تطور هذا الحراك الاقتصادي التاريخي الى مرحلة التجارة في الآليات الزراعية نفسها، ثم كانت النقلة النوعية في بيع الخبرة وممارسة العمل الأستشاري. لم تخرج نشاطات والدهم عن مجال الزراعة. توفى عام 1987م تاركاًَ رسالة مشفرة فهمها ابنه من بعده تماماً،َ وهي«لا بديل للزراعة إلا الزراعة»! ظل ابنه وجدي ميرغني وفياًَ لهذه الوصية حتى في سنوات «أقتصاد المخاطر». لهذا، عندما أعادوا الإعتبار للزراعة بعد إنفصال الجنوب لم يجدوا احداًَ يشار إليه ممن يمارسون الزراعة إلا هذا الرجل، وقد كان العمل الزراعي وما زال تجارة نظيفة ولكنها مكلفة، ولا أحسب أن والي القضارف بذل جهدًا في اختياره كرمزَ للمزارعين الذين سيقودون المرحلة القادمة!! لم تكن ممارسة العمل الزراعي سهلاً في الأعوام الممتدة من(1998(م حتى 2010م وهي فترة هروب الرساميل وممارسة الأعمال الهامشية غير المنتجة ذات الربحية العالية، وهي فترة التجار(المتطفلين) الذين أفرزهم التضخم. يحكي أحد العاملين في مجموعة (محجوب- أولاد) أنهم كانوا يتعجبون عندما يرون أموال وجدي ميرغني تنفق على الزراعة رغم الرهان الضعيف، يقول بالحرف:(مافي زول كان بيدفع في الزراعة غير حكومة السودان ووجدي ميرغني ده)!! إذن لم يكن الوفاء سهلاً للزراعة تحت وطأت الأنهيارات المتتالية للإقتصاد السوداني. ربما هذا المأزق هو سبب تعدد أذرع وجدي ميرغني الاقتصادية خارج المجال الزراعي. وأصبح لزاماًَ على(شركة محجوب أولاد الزراعية) أن تبحث عن «نقاط»تساعد على البقاء، فأنجبت مثلاً شركة محجوب أولاد التجارية.. وهكذا تنوعت النشاطات حتى أصبح لزاماًَ تكوين (مجموعة محجوب - أولاد). في الثمانينيات دخلت النشاطات الزراعية مرحلة تصدير المحاصيل،ثم التصنيع(الزيوت).. أما عند محطة (الاستيراد) كانت المجموعة قد ابتعدت عن الزراعة، وكادت أن تفلت وتدخل ساحة العمل الهامشي كالتعبئة، وهو من ممارسات التجارة السهلة التي لاتناسب أصحاب التجارة النظيفة! هذه المنزلقات التي كانت قد ظهرت في الآفاق، كانت بسبب التدهور التام للزراعة في بداية الألفية، وفوق ذلك تدهور العملة السودانية، كان لابد(للتصدير) أن يبحث عن فجوات في(الأستيراد)، لهذا- دخلت المواد الغذائية وتجارة التعبئة وهي آخر نشاطات التجارة النظيفة. هذا الوسام الذهبي الذي منحوه إياه في تقديري سببه ، أنه استطاع أن يبقي في خانة الزراعة رغم هذه الأمواج المتلاطمة وضغوطات الأزمة الاقتصادية المتلاحقة. والسؤال الباقي هو:ما الذي دفعه ليبقى فوق هذه الشفرة الحادة ومن أين استمد هذه الموازنات الدقيقة ليصمد أمام إغراءات التجارة الهامشية المتاحة دائماًَ في مثل هذه الظروف؟؟!! هناك أبعاد وجدانية أخلاقية- أستمع إليه وهو يحكي عنها منها- أنهم يعتبرون أنفسهم أصحاب رسالة توارثوها عن والدهم الذي لم يتعامل حتي مع سلفيات البنوك! والعمل في الزراعة يشكل ثلثي النشاط الاقتصادي في السودان وهو عمل تنموي مفيد لهم ولغيرهم، يعرفه من يعشقون الإنتاج. الأعمق من كل هذا هو قوله أنه بقي متشبثاًَ بالزراعة رغم هروب رجال الأعمال منها ويعتبر،أن هذا العمل هو قدرهم! هذه الأبعاد الوجدانية دفعته ليعلن أنهم في الشركة لا يحبون صفة رجل أعمال بل يفضلون (محجوب اولاد بتاعين الزراعة أو التركتورات)! الذي يبدو بوضوح أن الزراعة كانت مدخلهم الأول للتجارة، لهذا، ظلوا يراهنون عليها في زمن اقتصاد المخاطر حتى عادت الدولة للإهتمام بالزراعة مرة أخري بعد سقوط حلم البترول بعد عام2009م . في تجاربه الخاصة يري أن مقومات النجاح تتلخص في التجربة اللصيقة، والتطلع للسمعة الطيبة، والقدرة على اتخاذ القرار، والحذر الشديد في التعامل مع تمويل البنوك ويسميه بالتمويل الإيجابي.. إن لم يكن لديك عملية استثمارية حقيقية يجب عدم التورط في قبول التمويل. يوصي باحترام الوقت، وليس بالضرورة أن يكون الربح مالاً وقد يكون اكتساب تجربة وحياة كريمة ومساعدة الناس(هذه الملاحظة مقروءة بوضوح في العاملين معه، وهو الآن ملاذاً لعشرات الأسر). ويحذر من النظرة الي المال كهدف، وعدم وضوح الرؤية واستعجال النتائج. أما المعوقات بالطبع كثيرة أبرزها التضارب بين المركز والولايات، وضعف تطبيق الإجراءات المنصوص عليها، وعدم وجود أراضي للصناعة والزراعة وغياب الاهتمام بالمستثمر المحلي والقطاع الخاص. هذه هي خلاصة تجربة أستحق صاحبها وسام الانجاز!! ونحن قبل الحكومة التي جاءت متأخرة.. نشهد له بذلك لوجه الله، إحقاقاً للحق لانريد منهم جزاءاً ولاشكوراً،كل الذي ننشده هو الترويج لهذه التجربة الناجحة لأنها بالفعل نادرة في السودان...!فهنيئاًَ لهم بهذا الإعتراف الرسمي..