هكذا كان اسمها وكذا كان رسمها فالتربية كانت همها سابق عندها تعليمها ثم انحل عقدها وتناثر جهدها وانهد مجدها هل تستطيع وزارة التربية والتعليم ان تضبط مسؤوليتها المهنية والأخلاقية تجاه النشئ انني اشك في ذلك لا بسبب المعلم ولكن بسبب الامكانيات التي تقيده وبسبب ظروفه الخاصة التي تحيط به وتحبطه ان أبناءنا وهم في مقتبل العمر مواجهون بضغط ثقافي كالسيل العرمرم فرضته وسائط الاعلام والاتصال الحديثة التي يتعذر حجبها عنهم وليس للوزارة امكانية او فضل وقت ينفقه المعلمون للارشاد والتوجيه العام على أقل تقدير فالمعلم تنتظره الدروس الخصوصية والوزارة نفضت يدها من المسؤولية خلا المناهج التي وقف عليها خبرء الا منهج اللغة الانجليزية ال تي رأيت فيه بالصدفة لغما مزروعا لا ادري متى ينفجر. والحق ان التلاميذ والطلاب والشباب على وجه العموم في امس الحاجة الى بذل الغالي والرخيص لتصحيح افكارهم وسلوكهم حتى لا يأت زمن نجد فيه المواطن منجرفا كلية نحو الهوى مجردا حقيقة من الهوية ليس من الحكمة في شئ ان يترك الشباب في هواهم وعلى هواهم وان يتركوا كهدف مريح للضخ الثقافي ال مبرمج لبناء قاعدة من أبناء الوطن التائهين المنفصمين عن واقعهم وجذورهم وثقافتهم وموروثاتهم وصل بنا الحد ان يسجد من امثال هؤلاء للمطربين كما كان يسجد المشركون لآلهتهم وتمر هذه الحوادث دون ان تحرك في الناس شعرة فأين الدعاة وأين الغزاة لينهزم الشر فيهم ويغني البغاة أين وزارة الثقافة ولماذا تنحصر منذ الاستقلال في الطرب والمطربين وفي الرقص والممثلين فان حسبت انها لا مسؤولية لها امام هذا الغزو الفتاك وغسيل الأمخاخ المرتب فلينفض سامرها فلعل من يستفيد من المخصص لها في ميزانيتها فاذا كانت المدارس تقذف سنويا بمئات الآلاف من التلاميذ اما للمراحل اللاحقة او للفاقد التربوي ثم اذا ما شبوا عن الطوق وجدوا مجتمعا هشا من الشباب الذي لم ترتب له قيادة روحية وفكرية وتوجيهية وتربوية في المقام الأول فاننا ازاء ذلك موجهون بحرب ناعمة يغني فيها الشباب عندما تتلاشى في دواخلهم القيم والسلوك القويم وحب الوطن. هذه الحرب الناعمة هي اقسى وأشد ظلما وظلاما عينا فمن يحمل السلاح فالذي يحمل السلاح يربي ف ي الناس الرجولة والمواجهة اما من يبدد في دواخلك القيم ويسرق منك النخوة والرجولة فهو الذي ينتصر. التربويون منذ أن انتظم التعليم الحكومي في السودان جعلوا للمدرسة مواصفات خاصة وجعلوا النشاط الطلابي جزءا اصيلا في التربية وعلى عهدنا عندما كان الطلاب مدللين كانوا مشغولون منذ الصباح الباكر حتى جرس النوم فنجد الرياضة والجمعيات الثقافية وليالي السمر الراتبة والاحتكاك والالتفاف بين الطلاب وحترام المعلم وتقديره كنا نقول للمعلم كما قال شاعرا لنيل حافظ ابراهيم: قم للمعلم وفه التبجيلا ** كاد المعلم ان يكون رسولا المعلم الآن يلهث خلف المواصلات وفي المدن باله مع الدروس الخصوصية وفي الريف مع زراعته وسبل كسب عيشه.. المدرسة التي كانت تستوعب النشاطات المذكورة امستفي المدن مجرد بيت وسط الحلة محيث افطن توجد مدرستان خاصتان احداهما في مساحة 234م والأخرى قطعتين في 468م2. لم يعد يهتم التربيون على الأقل في ولاية الخرطوم بمساحة المدرسة وشكل المدرسة وموقعها بل يمنحون التصديق التجاري للمدارس كما تمنح المحلية التصديق لبقالة تبيع الخردوات والفول للمواطن فمن اين يجد التلميذ ما يغذي فؤاده وينمي فيه ما ذكرناه؟ بالتأكيد ليس لادارة التعليم غير الحكومي أية مسؤولية اشرافية على المدارس والا كيف يتم التصديق لمدرسة وسط الحي بمساحة 234 م2 . وهناك مشكلة أخرى تقلقني اشد القلق وتؤذيني وتحرمني احيانا النوم تلك هي مراكز التدريب والمدارس الأجنبية والمراكز التابعة لليونسكو والتي احصيت عددها في سوق اللفة فوجدت الأمر مذهل اذا كانت الحكومة ممثلة في وزارة التربية لا تستطيع الاشراف على مرافقها التعليمية ولا على المدارس الخاصة الوطنية فهل تستطيع ان تشرف او قل تؤثر على هذا الكم العجيب. أنا أعتقد ان مسمى الفاقد التربوي يجب ان يسقط على تلميذ المدارس الأجنبية.. ما هذه المفارقات فالسودان والسودانيون يقيمون المدارس السودانية في الخارج حيث تكثر الجالية وفي داخل الوطن ييفتحونه لمن هب ودب ليقيم مدرسة او مركز تدريب او مركزا ثقافيا وامتدت الأريحية الوطنية لتفتح الجامعات الأجنبية فروعا لها في الوطن العزيز في الوقت الذي غطت فيه الجامعات الوطنية كل السودان ونستطيع ان تدخل بأي نظام تريد فان لم تتأهل بالشهادة السودانية فالجامعات تؤهلك لدخولها فهم معلمون درجة اولى وتربويون بل هم قمة التعليم فلماذا اذن تسمح الحكومة لكل من أراد ان يجد وسيلة في اطار عزل شبابنا من روح سوداننا فينشئ جامعة او مدرسة او مركزا ثقافيا وتدريبيا الله وحده يعلم السموم التي تبث فيها ولا ترى كالاشعاع الذري المهلك. اليوم ادق الجرس لينتبه المسؤولين على أعلى المستويات السياسية والتنفيذية فان امر التربية والتعليم والثقافة في خطر شديد والأمر ليس مجرد سياسة ولا كلام جرائد بل مسؤولية اخلاقية تجاه من سيحملون الراية وتشهد على ايديهم البلاد النماء والرخاء. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.