بعون الله وتوفيقه، وبدعم معنوي وتشجيع كبير من مهتمين ومتابعين ومهمومين، بالشأن العام، وقضية التداول السلمي للسلطة في بلادنا، إختتمنا سلسلة حلقاتنا العشرين حول قانون الإنتخابات الحالي، ولقد ركزنا على تسليط الضوء على الثغرات والثقوب ومواطن الضعف في القانون، التي أفرزتها التجربة العملية، والممارسة الفعلية، إبان الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في عام 2010م. ü ولا ندعي أننا وجدنا الذين ساهمنا في عملية تقويم وتقييم التجربة الإنتخابية السابقة، فلقد سبقتنا أو تزامنت مع جهدنا المتواضع، مبادرات عديدة، وورش عمل، وندوات، وكتابات، وحوارات، قامت بها المفوضية القومية للإنتخابات، ومجلس شؤون الأحزاب السياسية، والمجلس الاستشاري لحقوق الانسان، ولفيف من منظمات المجتمع المدني، ومراكز البحث والدراسات، والأحزاب السياسية واللجان البرلمانية، فضلاً عن الكثير من المقالات والأوراق العلمية التي نشرت في الصحف في الآونة الأخيرة. ü بيد أن الشيء المهم في المسألة كلها، هو كيفية الإستفادة من تلك الجهود وذلك الحراك، وكيف يمكن تحويل النقد والتحليل والملاحظات إلى واقع عملي، عبر إجراء تعديلات جوهرية في النظام الإنتخابي وفي نصوص القانون وقواعد الإنتخابات، وذلك قبل الإقدام على أية إنتخابات جديدة في أو بعد العام 2015م، ميقات انتهاء الدورة الحالية لشاغلي المواقع التنفيذية والتشريعية المنتخبين. ü إن عملية مراجعة النظام الإنتخابي، وإعادة النظر في الكثير من جوانبه النظرية والعملية، ينبغي أن تُمثل أولوية كبرى في المرحلة القادمة، ويجب أن نعترف بأن إصلاح ذلك النظام، لا يقل أهمية عن التوافق على الدستور الدائم، وأن معالجة الثغرات والعيوب تُشكل خطوة مهمة نحو الوفاق الوطني، وتخفيف حدة التوتر بين الفرقاء السياسيين، بل وفي ردم الهوة الفاصلة بين الحكومة والمعارضة. ü ولقد سررت كثيراً بذلك الموقف الحكيم والمسؤول للمؤتمر الوطني، وهو يعلن قبل أيام، أن لا مانع لديه من تأجيل الإنتخابات القادمة- إذا لزم الأمر- وإجراء مراجعة وتعديل لقانون الإنتخابات. ü هذه المبادرة الذكية من قيادة الحزب الحاكم تثبت حسن النية، والحرص على الوصول إلى أرضية مشتركة في مسألة حساسة وخطيرة كقانون الإنتخابات، كما إنها تبرهن على أن الحزب الكبير لا يخشى من عملية المراجعة والتعديل للنظام الانتخابي، وأن مصدر قوته لا يعتمد على شكل معين ونمط بعينه لذلك النظام، بل وأنه معني أكثر بجوهر الممارسة الديمقراطية لا أدواتها وشكلياتها. ü وليس سراً، أنه دون الإتفاق والتراضي بين القوى السياسية السودانية حول النظام الإنتخابي القادم، فسوف تستحيل مشاركة كافة تلك القوى في المعركة الإنتخابية وربما وصل الأمر للمقاطعة، وحينئذٍ تكون الإنتخابات من طرف واحد وبدون تنافس أو سجال أو ندية، وبذا تفقد تلك الإنتخابات قيمتها السياسية، وتتحول إلى ما يشبه مسرح الرجل الواحد أو (One Man Show)، ثم تفرز مؤسسات تشريعية كسيحة ومشلولة لغياب الرأي الآخر، والصوت المعارض، تكلف دافع الضرائب الكثير من المال دون مردود ذي قيمة سياسية أو دستورية. ü إذن المطلوب الآن فتح حوار جاد مع القوى السياسية حول النظام الإنتخابي الأمثل في نظر هذه القوى، ومناقشة أية مآخذ أو انتقادات للتجربة الماضية، والسعي عبر هذا الحوار لإصلاح الإدارة السياسية الجوهرية للممارسة الديمقراطية. ü ولقد أشرنا في الحلقات العشرين التي كتبناها، إلى ما إعتبرناه ثغرات ومثالب، إمّا في نصوص القانون أو تفسيره أو تطبيقه، وبعض هذه الملاحظات ذو صفة فنية بحتة يهم أهل القانون، بيد أن جل النظر ينبغي أن يصوب إلى الجوانب الجوهرية في النظام الإنتخابي، ونعني بها تلك التي تكفل توسيع المشاركة، وتتيح الفرصة لعدد أكبر من الأحزاب للوصول إلى قاعة البرلمان، وبكلمات أخرى يجب التفكير جدياً في زيادة حصة التمثيل النسبي مقارنة بالتمثيل الجغرافي، وإلغاء قيد الحد الأدنى (العتبة) أو تقليل النسبة المطلوبة. ü وأرى أن نتحول إلى نظام القائمة المفتوحة بدلاً من المغلقة، حتى يستطيع الناخب أن ينوع في إختياره بدلاً من إجباره على التصويت لقائمة واحدة. ü ومن المهم أن نتدارس إمكانية وجدوى تمثيل فئات معينة من المجتمع مثل الشباب والعمال والمزارعين ورجال الأعمال، وذلك عبر قوائم قومية لا ولائية، وأن نسقط أي تحيز وتحامل ضد المستقلين من المرشحين، والسماح لهم بخوض الإنتخابات بقوائم خاصة بهم. ü ونرى أن تقيد فترة شغل المناصب التنفيذية بحد أقصى هو دورتان- مثل رئيس الجمهورية تماماً- لا تتجاوز في مجموعها ثماني سنوات، وينطبق ذلك- عبر لوائح البرلمان- على منصب رئيس البرلمان ورؤساء اللجان. ü كما نقترح أن تقلص أعداد أعضاء المجالس التشريعية القومية والولائية اقتصاداً للنفقات، فلا تزيد عضوية المجلس الولائي عن أربعين عضواً مثلاً، والمجلس الوطني عن مائتي عضو، وتدمج لجان المجلس بحيث لا تتجاوز الست لجان. ü ونرى أيضاً دراسة إمكانية انتخاب نائب أو نواب رئيس الجمهورية، إسوة بالرئيس نفسه، ولإعطاء المنصب قوة سياسية وقانونية أكبر، وليس سراً أن الصراع الحالي في دولة جنوب السودان، سببه الرئيسي هو عزل نائب الرئيس رياك مشار وإبعاده عن دائرة القرار، وهو ما لا يمكن قبوله لدى شخص في وزن وقوة الدكتور رياك مشار، ولو كان منتخباً لما أمكن عزله. ü ونقترح كذلك، التفكير جدياً في مقاعد قومية- لا تزيد عن عشرة مثلاً- كما هو الحال في جمهورية مصر العربية- لتمثيل الشخصيات القومية والتاريخية التي لا يليق أن تخوض الانتخابات، فضلاً عن معالجة أي خلل في تمثيل الأقليات، ولفتح الباب أمام القوى المسلحة المعارضة إذا قررت المشاركة، وكما هو معروف فإن مقاعد التعيين هذه، هي التي أعطت النظام البرلماني المايوي المرونة والحيوية اللازمة للتعامل مع أية مستجدات سياسية، وكان نظام التعيين المحدود هذا، مدخلاً لإستيعاب ممثلين للجبهة الوطنية المعارضة عقب إجراء المصالحة بلقاء الرئيس الراحل نميري بالسيد الصادق المهدي في بورتسودان عام 1977م، وبذا أمكن تعيين قيادات من حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي والإخوان المسلمين في المؤسسات التشريعية المايوية، دون حاجة لحل المؤسسات القائمة، أو الإبقاء على القادمين الجدد على رصيف الانتظار. ü ونواصل بمشيئة الله الأسبوع القادم.