نعيش حالة الإحباط بعد الوثبة، سواد الحياة تضاعف أمام الناس، والحياة أضحت سلسلة من المعاناة والأوجاع وسياط الفقر مسلطة على الظهور وسيوف الجوع على الرقاب، في الوقت الذي ترتفع فيه العمائر طوابقاً وأبراجاً، وتهبط فيه روح الجماهير إلى الهاوية.. فأين يا صديقي القرارات وأين محاكم العدالة الناجزة لمحاكمة المفسدين واللصوص وسارقي قوت الشعب.. أين السياسة التعليمية الجديدة التي تتواكب والتقنية الحديثة ومتطلبات الدولة المعاصرة، أين تحديث المدارس والجامعات وبناء البنيات التحتية لبلد المليون ميل سابقاً.. أين محاكمة الذين أدخلوا صناديق الخمور الخرافية في حي كافوري الرئاسي ولماذا أسدل الستار الصامت عليها؟- من جاء بها وكيف وصلت الحي الفاخر والعمارة الفاخرة ومن يمتلكها؟! لماذا صمت الأئمة والدعاة عن التجاوزات وعن بنياتنا التي كانت «عظمة شموخ»؟ ضاعت بفضل سياسة المؤتمر هؤلاء الذين لم يكتبوا في سجلات التاريخ إلا إنجازهم الذي يعتبر سبة في جبين الوطن بفصل الجنوب-هؤلاء الذين أطاح بهم نميري عندما اكتشفهم، خاصة سعيهم الذي تحقق بعد ربع قرن من معاناة الشعب. الحرية يا صديقي تقترن بالمسؤولية والدولة العصرية ليست بأي حال آحادية التفكير وليست سلطة للزجر والعقاب والتلاعب بمكتسبات الأمة وتمزيق البلاد إلى شيع وطوائف وكيانات.. لم تكن بلادنا من قبل على هذا المنوال، وكل شيء في العالم مصدر خلق وإنشاء وإبداع إلا السودان الذي أوشك بعد عامين من بلوغ سن الستين- وهي سن المعاش- وما زلنا نبحث عن الدستور ونفاوض الأحزاب التي انتشرت كالنبت الشيطاني واحتلت مقاعد ثابتة في حكم البلاد التي تمزقت بالاتفاقيات.. السودان قبل أن يصل سن المعاش من الذي أذله وأطاح بمكتسباته الديمقراطية عبر سواري الليل وطلاب الحكم على مر العهود.. ذات العهود وذات النغمات وعند لحظات الفشل يلجأ إلى الأحزاب التي أُطيح بها من قبل. نحن يا صديقي في حاجة إلى دولة حرة مسؤولة تحترم الفكر والصدق بعيدة عن التشنج والتعصب، فليس من بيننا أجير ولا مقهور، فالجميع مالك ومشارك إلا في زمن المؤتمر الوطني الذي أضاع البلاد في زمن التمكين، فأطاح بالكوادر الصادقة وأذلوا الأعزة و«تحكروا» على دست الحكم دون تجربة فأضاعوا البلاد والعباد.. هل تذكر يا صديقي العلم الأولمبي لليوم الرياضي لمؤتمر الخريجين قطعة سوداء عليها أسد في شكل وثبة، وشتان ما بين وثبة قادت إلى تحرير الوطن ووثبة وأدت الديمقراطية وعادت تبحث عنها مع من أطاحت بهم من قبل.. إنها حكمة المؤتمر الوطني استولى على السلطة.. فمصلحة المصالح والتمكين طغت على المصلحة الوطنية والقومية.. فسلام على وطن يبحث عن ذاته وعن الهوية. * د. يحيى التكينة