لم تخيّب دار الخريجين في أم درمان رأي «روبر تسون» الحاكم الإداري في عهد الاستعمار الإنجليزي للسودان عندما قال «هذه الدار سيكون لها شأن عظيم».. وقد كانت حيث شهدت الدار التي منحها الشريف يوسف الهندي لقادة الاستقلال للاجتماعات والقاءات أفضت إلى طرد الاستعمار من البلاد. كما لعبت الدار دوراً مؤثراً في الحركة السياسية والثقافية بالبلاد. بيد أن دار الخريجين شهدت خلال الأسابيع الماضية أحداثاً مؤسفة بين مجموعتين داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي سجله الراحل الشريف زين العابدين الهندي وتولى أمانته العامة فيما بعد الدكتور جلال يوسف الدقير مستشار رئيس الجمهورية، حيث اشتبكت المجموعتان داخل الدار، مما استدعى تدخل السلطات ومنع المجموعتين من دخولها. والحزب الاتحادي الديمقراطي الذي سجله المرحوم الشريف زين العابدين الهندي، لم يكن هو الحزب الوحيد الذي يحمل هذا الاسم في المسرح السياسي السوداني، فالهندي الذي انشق عن تجمع المعارضة في تسعينات القرن الماضي، عاد إلى البلاد في العام 1996، حاملاً معه مبادرة «الوفاق الوطني» وهي مبادرة تهدف إلى توافق القوى السياسية على إدارة البلاد. وتختلف رؤية الهندي مع زعيم الحزب الاتحادي الأصل مولانا محمد عثمان الميرغني حيث انخرط الهندي في مجموعته التي ضمت بجانبه كلاً من الأخوين جلال ومحمد يوسف الدقير، ود.أحمد بلال. ولم يكن بمقدورهم ممارسة نشاط سياسي والاستفادة من التيار الاتحادي سوى تسجيل الحزب وفقاً لقانون «التوالي السياسي» المثير للجدل، وهذه خطوة وجدت معارضة قوية من قيادات اتحادية بارزة طالبت الهندي بتسجيل حزب جديد بديلاً عن اسم «الاتحادي الديمقراطي»، واللافت أن مبادرة الهندي أحدثت تحولاً جوهرياً في الإنقاذ حيث شاركت مجموعة الهندي في الحكم ولا زالت حتى الآن في كافة مستويات الحكم التنفيذية والتشريعية. بيد أن الممارسة أحدثت خلافاً بين القيادات، وأشارت قيادات سياسية إلى أن هناك خلافاً بين الهندي ود. جلال الدقير قبل وفاته في يونيو 2006م، حيث كان هناك اتجاه للإطاحة بالدقير من منصبه داخل الحزب غير أن صديق الهندي وقف ضد هذا المسعى لتعارضه مع مباديء الحزب الاتحادي الديمقراطي، واللافت أن صديق الهندي الذي كان نائباً للدقير اختلف مع الدقير فيما بعد وأسس ما يعرف بالحركة الاتحادية وهي حركة تهدف إلى إعادة وحدة الاتحاديين في كيان واحد بدلاً من تشتتهم في عدة كيانات وتيارات صغيرة، وهي فكرة وجدت الدعم من الجميع خاصة من جلاء إسماعيل الأزهري ورموز اتحادية أخرى، حيث كانت تجتمع بدار الخريجين لتنسيق المواقف وتقريب الرؤى بين التيارات. ويقول بركات شيخ إدريس أحد أبرز القيادات في الحركة الاتحادية التي يقودها صديق الهندي إنهم بعد اختلافهم مع جلال الدقير شرعوا في توحيد الحركة الاتحادية، حيث اتخذوا دار الخريجين مقراً لعملهم. وقال ل «آخر لحظة» كنا نجتمع في الدار التي لا يجتمع فيها الدقير. ويضيف بركات أن خلافهم مع الدقير بدأ قبل وفاة الهندي وتطور بعد الوفاة، حيث قام بفصلهم من الحزب المسجل. ولم يكن فصل أو انشقاق صديق الهندي هو الأخير داخل الحزب فقد تبعه الشريف الأمين الهندي الذي قرر ترشحه في الانتخابات البرلمانية في دوائر ولاية الجزيرة في العام 2010م ليتفاجأ بأن الحزب سحب ترشحه دون أن يتم إخطاره مما جعله يتخذ موقفاً حاسماً تجاه حزبه. وقال الشريف الأمين الذي يتمتع بمساندة قوية في الجزيرة ل«آخر لحظة» «لم أعد عضواً في أي حزب». موضحاً أن الاتحادي الذي طرح مبادرة الوفاق أصبح تابعاً للأحزاب بدلاً من قيادتها.. وقد جاءت أحداث دار الخريجين لتمثل مرحلة جديدة في مسيرة الحزب، حيث اشتبكت مجموعتان مما دعا إلى تدخل السلطات وإبعاد الطرفين عن الدار. وتقول مصادر إن مجموعة ترغب في عقد مؤتمر عام للحزب لتحديد موقف الحزب من القضايا وتجديد الدماء فيها، حيث ظلت قيادات تسيطر على الحزب دون أن تفسح المجال لقيادات أخرى. وأكد سيد أبوعلي أحد أبرز القيادات بأنه ليس مختلفاً مع الدقير، لكنه أقر ل«آخر لحظة» أن هناك وساطة يقودها أحمد علي أبوبكر لحل نقاط الاختلاف وإزالة سوء الفهم بين المجموعتين والذي أدى إلى الاشتباك وإغلاق دار الحزب، لكن هل ينجح أحمد علي أبوبكر في مساعيه الخاصة وأنه انضم إلى الحزب قادماً إليه من الاتحادي الأصل بزعامة مولانا محمد عثمان الميرغني بعد خلاف شهير قبل نحو ثلاثة أعوام بسبب المشاركة في الحكم؟!