أكتب هذه المادة من داخل الغرفة (114) بفندق موفيتيك البحرين التي سأقضي ليلتي فيها بعد أن وصلت إليها بعد ظهر الأمس، وأنا أشد الرحال إلى أرض الوطن بعد زيارة استمرت عدة أيام لسلطنة عمان، وكنتُ أحلم بمواصلة الرحلة مباشرة من مطار البحرين إلى الخرطوم عن طريق طيران الخليج لولا أن تأجلت الرحلة أربعاً وعشرين ساعة ليتحقق لي حلم قديم بزيارة مملكة البحرين التي عبرت عن طريق مطارها الفخم إلى أكثر من دولة في أكثر من رحلة خارجية لكنني لم أتشرّف بزيارة درة الخليج كما يُسمّيها أهلها، وإن حلمتُ بذلك أكثر من مرة، وها هو الحلم يتحقق دون توقع.. وما كان ليتحقق لولا أن تأجلت الرحلة أربعاً وعشرين ساعة كاملة.. وسبق لي أن عانيت من مرارات التأجيل أكثر من مرة في السابق، ولم أسعد بذلك خلاف هذه المرة التي أُشاهد فيها أرضاً جديدة وشعباً كريماً يعرفه الجميع. لم أرد أن أُضيّع الوقت، إذ أردتُ أن أرى الجديد وأوثق بالصورة ما أشاهد لأنشر ما رأيت عند العودة إلى السودان، ومع ذلك وجدتُ نفسي معتقلاً أمام جهاز التلفزيون لأتابع برنامجاً خاصاً بثته قناة الجزيرة حاورت من خلاله مولانا محمد بشارة دوسة وزير العدل حول القضية التي تشغل كل السودانيين، وتشغل الكثيرين من أصدقاء السودان وأعدائه، وهي قضية استفتاء تقرير المصير بالنسبة للجنوب، وقضية استفتاء منطقة «أبيي» تناول السيد الوزير من خلاله بعض ما جاء في المؤتمر الصحفي للسيد نائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه، خاصة حول حل القضايا العالقة التي لم يتم حسمها بعد والتي تقف عائقاً أمام الاستفتاء حول «أبيي» مع تمسك الدولة (بشقيها) الجنوبي والشمالي بأهمية إجراء الاستفتاء الذي يقرر مصير جنوب السودان في موعده المحدد، والذي تبقى لإجرائه أقل من ثلاثة أشهر. القضية لا تشغلنا وحدنا لكنها تشغل الكثيرين وظللت هدفاً طوال الفترة التي قضيتها في سلطنة عمان لزملائي من الصحفيين ورؤساء التحرير والكُتّاب الذين شاركوا في أحد أبرز الأحداث السياسية في مدينة «صلالة» العمانية، وهو افتتاح جلسة مجلس عمان الذي خاطبه جلالة السلطان قابوس بن سعيد قبل ثلاثة أيام.. كنتُ هدفاً لأسئلة الزملاء ولممثلي أجهزة الإعلام العربية والعالمية للحديث حول قضية الاستفتاء وعن مآلات ما يتبع إعلان نتيجة ذلك الاستفتاء، وكنتُ أقول باستمرار إن الاستفتاء استحقاق دستوري وقانوني ملزم، وعلينا أن نعمل جميعنا في كل السودان لأن يكون الاستفتاء شفافاً ونزيهاً وحراً، لكنني كنتُ أركز على أن ذلك يتطلب ألاّ يوجّه أي من الشريكين إرادة المواطن الجنوبي نحو الانفصال مثلما فعل السيّد النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب رئيس الحركة الشعبية السيد سلفا كير ميارديت، لأن ذلك في تقديري الشخصي خروج عن نص وروح اتّفاقية السلام، لذلك علينا أن نتعامل مع واقع جديد بعد إجراء الاستفتاء.. واقع يقسم السودان إلى سودانين، ولابد أن تتم تهيئة المواطن لقبول الاحتمالين، احتمال الوحدة - الذي أصبح مشكوكاً فيه - واحتمال الانفصال الأرجح. سعدتُ بما شاهدته وسمعته من وزير العدل الذي تعامل مع الأمر بمنطق عالٍ ومهنية رفيعة، لذلك أتمنى أن تستعد مؤسساتنا وأجهزتنا لكل الاحتمالات وألا نترك شيئاً للصدفة.. تفادياً لما قد يحدث من انفلات تجاه الشماليين في الجنوب.. أو العكس.. فدماؤنا عزيزة.. وهي علينا حرام. البحرين - مساء الأربعاء (6) أكتوبر 2010م