في الماضي وعندما كانت منافذ البث الإعلامي محدودة ( إذاعة واحدة وتلفزيون واحد ) .. كان مصب الإبداعات الثقافيه ضيق وعنق الزجاجة في هذا المجال خانق، ولذلك كان من الصعوبة أن تمر عبرهاتيك المؤسستين الأعمال الفنية الضحله و كذلك أدعياء الفن والثقافة، بل وفي أحيان أخرى لعبت لجان التحكيم والفرز في الإذاعة والتلفزيون دوراً أساسياً في توجيه الكثير من المبدعين إلى وجهاتهم الفنيه والحِرفيه الحقيقية، كأن يأتي المبدع إلى دار الإذاعة بغية أن يُجيز صوته كمطرب، فينصحه أعضاء لجنة الإجازة لأن يتجه إلى التلحين أو العزف على العود أوغيره من الإتجاهات، وذلك بناءاً على ما يرونه فيه من متوفرات و علامات تشير إلى إمكانية نبوغه وبروز موهبته في هذا الإتجاه أو ذاك، وهم في هذا المضمار يفعلون هذا بأداة الخبرة والتمكن من تخصصهم الفني بالإضافة إلى إعتدادهم وإحترامهم للفن والإبداع وحمية إنتمائهم إلى تلك المؤسسات التي كانت حينها محط إهتمام المجتمع والدوله، وبذلك ومن ناحية مغايرة كانت محدودية منافذ البث الإعلامي تلعب دوراً كبيراً في تنقية وتصفية وتشذيب الأعمال الفنيه وذلك جراء ضيق الفرص و محدوديتها ، و حسب رأيي كان ذلك سبباً رئيسياً في إزدهار الفنون و الإبداعات وجودتها النوعية آنذاك، حيث كان مفهوم التجويد ينطلق من مبدأ المنافسة الشريفة وكان كل مطرب يعلم أنه يجب أن يبني منتوجه الفني من حيث إنتهى الآخرون، بغية دفع لجان الإجازة والتحكيم الصارمة إلى الإنبهار والإقتناع بمنتوجه الفني والأدبي، ثم جاء من بعد ذلك عصرنا الحالي والذي تعددت فيه المنافذ الإعلاميه (إذاعات وفضائيات) ..فأصبح من السهل على المنتج الفني الولوج إلى تلك المؤسسات و الوصول إلى الناس، ولكن يبقى السؤال: هل قلل ذلك من رصانة وجودة المنتوج الفني ..أقول و للأسف ..نعم .. وذلك بدأاً بأول السلبيات المتعلق بعدم وجود لجان فنيه تحكيمية لدى تلك المؤسسات تقوم بمساعدتها على تمييز الصالح من الطالح حيث يقع الإختيار والقرار على عاتق الذائقة الشخصية لمجموعة من الموظفين والفنيين الذين لا علم لهم أصلاً بمقومات ما يجب أن يتوفر من شروط الجودة في المنتوج الفني المعني بإتاحة الفرصة له للنشر والبث، وبذلك لا يبقى من كابح للفنون الضعيفة التي تبث على الجماهير على مدار الساعة عبر تلك الإجهزة غير الذائقة الجماهيرية التي قد تلفظ تلك الأعمال تلقائياً وتأبى أن تتعامل معها فتسقط بحكم الناس والرأي العام والذائقة الجماعية ..فينطبق عليها قوله تعالى (فأما الزبد فيذهب جفاءاً ، و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).