أحبابنا البرامكة يفتقدون اليوم مجالسهم العامرة في جنوب كردفان، فهذه الفتنة كانت نائمة ، ولعنة الله على من أيقظها. البرامكة طائفة من محبي الحياة ، تآلفوا وتشكلوا كقبيلة من مختلف المشارب و الأعراق و الأفخاذ ..هم قطاع عريض من أشتات الدماء السودانية، يلتقون ساعة المقيل تحت الضل البارد، يتآنسون مع عبق الشاي والقهوة. و البرمكة فعلٌ معناه الكرم ، وهي لفظ فارسي معناه سادن النار، أو ذاك الذي يوقد النار لاكرام الضيف. في العصر العباسي اشتهر منهم أبا يحى البرمكي، الذي كان وزيراً لهرون الرشيد..وكانت للبرامكة في ذلك العهد مجالس طروبة وباذخة انتهت بهم الى لعنة تاريخية .. وتلك إحدى سنن الحياة .. لقد تبدد مجد برامكة العراق، وانتهى الى ما تنتهي اليه حالة كل مغرور بالسطة.. اذا كانت لعنة التاريخ ، لا تستثني حتى البرامكة الكرام، فما بالك بهؤلاء..! إنها الدنيا .. ما دوَّامة ..! مجلس البرامكة له طقوس ومراسم .. قعدتهم للشاي جلسة كاملة البرتكول ، فيها مفتش وكمساري وسفرجي، وفيها الخفير الذي توكل إليه مراقبة أخطاء أعضاء المجلس. وللنساء البرمكيات مجلسهن الخاص بقيادة الملكة، الى جانبها وصيفتها (النشيمنة)،، ووظيفة النشيمنة تعادل وظيفة الناظر في مجلس الرجال. وأهم زول فى مجلس البرامكة هو (العبَّاي)، الذي يقوم بتعبئة وتوزيع الشاي. البرمكي مُطالب بأن يكون نظيف الثياب وأن يحافظ على آداب المجلس، فلا يتحدث إلا بعد أن يؤذن له.. أي أن البرامكة لا يسمحون بمجالسة امثال هؤلاء، (متأبطي) المايكرفونات. وعلى البرمكي أن يشرب الشاي حسب النظام المتبع ، فلا يخنق الكوب ،، عليه أن يحمله بأصبع واحد دون أن يضم أصابعه كلها حول الكأس. والبرمكي لا يضع كأس الشاي على الأرض، فتلك تعتبر إهانة ، كما يُحظر في مجلس البرامكة تناول المكيفات مثل السجائر والتمباك. و من قواعد السلوك البرمكي في المجتمع، أن يكون البرمكي متعاوناً وخدوماً ومحباً للخير ، وصاحب شهامة وكرم، وعفيف اللسان ، ومتمسكاً بالشعائر الدينية. وكما هو واضح ، فان أغلب هذه الأوصاف والقيم النبيلة لاتتماشى مع السياق العام ل (المتحللين) القابضين على ملفات التمكين فى بلادنا المنحوسة هذه. فهؤلاء وفق قوانين مجلس البرامكة، هم ثلة من (الكمكلية)...!والدليل على كمكليتهم على سبيل المثال لا الحصر أن واليهم في دارفور أُدِّينَ وعُوقِّبَ في احدى مجالسهم عندما خرق قواعد السلوك. الكمكلي شخص منبوذ.. قال محمد أحمد البرمكي (أنا شِلته عَصاتي المَكنْجرة ، ولِبِسْتَ عِمَّتِي الْمَظْهَرة ، ومشيت بيت محي الدين.. نقرت الباب بى خدران وعصا ، كوّ ، كوّ، كوّ.. قال مين نقر الباب.. قلت، دا محمد أحمد البرمكي .. قال لي إتفضل ،أشرب القهوة.. أديتو كوبة وكوبتين ،والتالته دفَّقا )..! شربت كوبة، وكوبتين،، والتالتة الجَّبا.. ومن وصايا محمد أحمد البرمكي أنه قال:(الكمكلي دا ، الله والنبي.. الكمكلي حقك ما تدي..الكمكلي عدو الله وعدو النبي وعدو سليمان.. الكمكلي ما تخاويهو.. إن بقى جنيه دهب، شيلو من جيبك أرميهو .. الكمكلي ، الخلا ولا الرفيق الفسل)...! وقال مفاخراً(أنا بشرب البِكري، والتِّنِي يكون ملغي، وقالوا قول قالوا.. الكمكلي ، خَرَب المبْنِي ،وخَلَى الحَنون جَفِي.. آآ حسن ، آآ خوي ، العندو الحقيقة ما بِنْكُر)..!