هرج ومرج يسود الساحة السياسية والقانونية والأمنية بعد تصريحات السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة وإمام الأنصار حول قوات الدعم السريع واتهامه لها بارتكاب تجاوزات في دارفور وجنوب كردفان، حيث أخذت القضية مناحي أخرى على رأسها البلاغ الذي فتحه جهاز الأمن والمخابرات الوطني في السيد الصادق المهدي والهالة الإعلامية والخطوات التضامنية لقواعد الحزب مع الإمام ثم أردفها الجهاز بفتح مواد إضافية للبلاغ الأول تم بموجبها اعتقال المهدي واقتياده لسجن كوبر، وتسارعت الأحداث وأعلن حزبه إيقاف الحوار مع الحكومة وإعلان التعبئة العامة وسط قواعده بالخرطوم والولايات وخارج السودان، الشيء الذي ربطه البعض برفع قوات الشرطة درجة استعدادها 100% ونشر جهاز الأمن لقوات الدعم السريع حول ولاية الخرطوم منعاً لأي احتمالات واختراقات أمنية، ولعل الاحتمالات كثرت و تشعبت، وعلى الرغم من سعي حزب الأمة لإيقاف الحوار إلا أن البعض يرى أن السيد الصادق قد استفاد من فتح البلاغ ضده ووجد سنداً شعبياً داخلياً وخارجياً بعد ما كان البعض قد بعد عنه لاعتقادهم بأنه يهادن الحكومة ولا يقف مواقف قوية ضدها، حيث قال الخبير الإستراتيجي والمحلل السياسي د. جمال رستم إن البلاغ المفتوح ضد السيد الصادق المهدي من جهاز الأمن أكسبه سنداً شعبياً داخلياً وخارجياً وداخل مواقف التواصل الاجتماعي، وقال إن هذا السند كان ضعيفاً في الفترات السابقة. واتفق معه الأستاذ أبوبكر عبد الرازق المحامي والقيادي بالمؤتمر الشعبي، حيث قال إن الاعتقال رفع من أسهم السيد الصادق المهدي، وأشار للسند الذي وجده داخل حزبه بالإضافة لتعاطف من دارفور، وقال إنه كسب تعاطف خصومه من قيادات الحزب ممثلاً بمبارك الفاضل و إبراهيم الأمين ومن الأنصار، وقال إن ما حدث قرب الشقة بينه وبين أحزاب المعارضة التي كانت تنفذ موافقة لدرجة تدافع محامي المعارضة للدفاع عنه. وفيما يتعلق بربط ما يحدث بين جهاز الأمن الوطني وردة فعل حزب الأمة والمعارضة بدفع درجة الاستعداد في جهاز الشرطة ل(100%)، ونشر قوات الدعم السريع حول ولاية الخرطوم. وأكد الخبير الأمني حسن بيومي أن العلاقة واضحة بين الاثنين، وقال إن هناك قاعدة أمنية تقول الإفراط في الإجراءات دون التفريط في الأمن لتفادي أي مشاكل أمنية يمكن أن تحدث، وقال إن الأجهزة الأمنية تمتلك معلومات لتجعلها تتخذ هذه الخطوات. ودعا بيومي الأجهزة الشرطية والأمنية لتكوين غرفة عمليات مشتركة للتنسيق بين الجهتين، مشيراً إلى أن ضيق التنسيق أو عمل كل جهة منفردة يمكن أن يؤدي لنتائج عكسية وربما يؤدي لفشلها بالكامل. وعلى ذات الصعيد قال رستم إن الأمن ينظر للأحداث بطريقة كلية ويعلم تماماً أبعاد الأحداث والتصريحات التي تحدث على أرض الواقع أو تدار معاركها في أجهزة الإعلام، وأرجع التصادم الدائم بين الأجهزة السياسية والإعلامية والأمنية لتأثير تلك التصريحات أو التصدي الأمني بصورة عامة، وأشار إلى أن الأمن هو مسؤولية الأجهزة الأمنية لذا تحاول دائماً التعامل معه بطريقة مختلفة تحوّل العلاقة بالآخرين لعلاقات محتقنة. وفي الوقت الذي ذهب فيه حسن بيومي إلى أن مجريات الأحداث قد تؤدي إلى خلق أزمة ثقة يمكن أن تؤدي إلى أنهيار الحوار المزمع عقده بين الحكومة والمعارضة ولم يقف عند هذا الحد، بل قال إن مفاوضات المنطقتين بأديس بابا ستأثر وربما تتوقف نهائياً بين الطرفين. وقد وضع جمال رستم بعض الحلول لإرجاع الأمور لنصابها ليتواصل الحوار، وعلى رأس تلك الحلول وضع أمن السودان القومي في المقام الأول بواسطة كل الأطراف الحكومة والمعارضة والإعلام والشعب، مشيراً إلى أهمية حساب كل الخطوات التي يقومون بها ووضع الدول الخارجية التي تستثمر كل الخلافات الداخلية.. وقال الارتباك الذي يحدث الآن نال من الرغبة في الحوار وأصبح الجميع لا يعرفون هل هم يريدون مخرجات الحوار أم يريدون الحوار في حد ذاته.. واختلف أبوبكر عبد الرازق في وصفه للخطوط العريضة للمعالجات التي يمكن أن تعود بالجميع لطاولة المفاوضات وحصرها في تعديل قانون جهاز الأمن الوطني، تحويله لجهاز خاص يجمع المعلومات ويحللها ويقديمها للجهات المختصة من الجيش والشرطة، وشطب البلاغ المفتوح في مواجهة الصادق المهدي وخصوصيته نفسياً ومادياً، وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وإيقاف إطلاق النار من جانب الحكومة إلا في حالة الدفاع عن النفس، وتواصل السيد رئيس الجمهورية مع الأحزاب المعارضة بدون وسيط والجلوس مع الحركات الحاملة للسلاح وإعطاؤهم ضمانات وإلغاء النيابات الخاصة لمخالفتها القانون وفصل النائب العام عن الجهاز التنفيذي. وما بين كل تلك الأوراق يبدو أن الجوكر حائر في الجهة التي يمكن أن تسخدمه أو حتى تحدد حاجتها له.. هل يحتاجه السيد الصادق المهدي الذي استفاد من الوضع الحالي في لم شمل أنصاره وقواعده والمعارضة حوله، أو تحتاجه قوات الدعم السريع التي أوصلتها الأزمة الحالية للوصول لأطراف الخرطوم، أم تستخدمه الحكومة التي أطلقت الحوار من خلال خطاب ومبادرة الرئيس.