انعقدت في الأسبوع الماضي بالخرطوم الندوة العلمية العالمية المتخصصة في قضايا الدعوة الإسلامية، في دورة الانقعاد الثانية، وقد أمَّها نفر كريم من العلماء العاملين من البلدان الشقيقة مثل إيران وتركيا وسوريا والأردن ومصر والسعودية وبريطانياً وموريتانيا وغيرها. كما شارك في الندوة حشد طيب ومبارك من علماء السودان ومديري الجامعات المختصة والمراكز الإسلامية وقادة الجماعات الإسلامية الصوفية والحركية وأئمة المساجد ومشايخ الخلاوي وممثلي وسائل الإعلام المختلفة. ناقشت الندوة عدداً وافراً من البحوث وأوراق العمل التي غطّت معظم قضايا الساحة الإسلامية وتحدياتها وأسهمت بالتوصية والتجلية للمشكلات الرئيسية التي تُعاني منها الأمة الإسلامية عموماً وشعب السودان على وجه الخصوص. نظرت الندوة في مفهوم الدولة الإسلامية بين الواقع والنظرية، ودعت لقبول الواقع المعاش ونشدان المثال المرتقب وطلبت من الدولة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب في التكاليف والوظائف العامة والتدرج الرفيق في التشريع والعدل المُطلق مع الجميع وممارسة السياسة الشرعية في المدارة في وجه بغي وعدوان الجهات الاستعمارية والاجتهاد في بناء العلاقات الخارجية المتوازنة والتأكيد على أن من أوجب واجبات الدولة الشرعية تحصين الثغور وحماية الحدود، والحرص على إظهار الشعائر الدينية وإشهار إقامة الحدود الشرعية والعدل في الانفاق العام وتيسير المعيشة للمواطنين. أشارت الندوة إلى قواعد التعامل مع غير المسلمين في التشريع الإسلامي، وبسطت الحديث عن التعددية بين الرفض والقبول، وأشارت لضرورة تجديد وتطوير الخطاب الإسلامي وأساليب ووسائل العمل الدعوي لاستيعاب المعاصرة والإفادة من التجارب الإنسانية للشعوب وقطف الثمار المفيدة من مخرجات الحضارات الأخرى ما دامت غير متعارضة مع المرجعيات الإسلامية وفق منهج الثبات في المباديء والمرونة في الآليات والوسائل تحقيقاً لمصالح الخلق مع مراعاة مقاصد الشرع. نبّهت الندوة بقوة لضرورة استيعاب روح العصر في نشر الدعوة ونمائها وعدم الإنكفاء على الأساليب القديمة أو الانشغال بالإغاثة وإطفاء الحرائق كشأن كثير من منظمات العمل الإسلامي العالمي. ذكرت الندوة كافة الدعاة إلى الله أن تكون «الثقة» في نصر الله حاضرة دائماً في النفوس وأن يكون «الأصل» قائم رغم ضراوة الهجمة الاستعمارية الشرسة وتحديات مكر الأعداء. فإن الحصار والتضييق إنما يولدان في الأمة كوامن الطاقة ويحركان فيها دواعي العطاء وإن النمازج المشرقة في اختراق التحدي في إيران وتركيا والسودان أصدق الأدلة على ذلك. تناولت الندوة بعمق عند مناقشتها لتجارب الجماعات الإسلامية وكسبها في مجال الدعوة، تناولت الدعوة لوحدة أهل القبلة التي ستظل «أشواقاً» ما لم تتوصل الجماعات الإسلامية والدعاة عموماً إلى مرحلة تبادل البرامج والأنشطة بتعاون عال يتجاوز حالة الضرار والشقاق والعصبية للطائفة أو الجماعة وأوصت الندوة في هذا المجال للنظر في إنشاء آليات تنسيق فاعلة بين الجماعات الإسلامية والتقريب بين المناهج وتفعيل القاعدة الشهيرة (نتعاون فيما اتّفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه). ثم عكفت الندوة على النظر المتخصص في آفاق مستقبل الدعوة الإسلامية في السودان. الدعوة الإسلامية في السودان التي وصفها الدكتور أزهري التجاني وزير الإرشاد والأوقاف بأنها مشروع تطبيقي وليس نظرياً بدأ منذ خمسين عاماً وأصبح دولة تمشي على رجلين منذ عشرين عاماً، وهو وفق الدكتور أزهري مشروع (متسامح) مع أهل الوطن (منفتح) على أخوة الإنسانية، ساهم في تنظيم كافة أوجه الحياة المدنية من خلال برامج التنمية والخدمات وتطوير الموارد والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها التي تفاعل معها المجتمع ودعا الأخ الوزير الجميع لمراجعة مشروع الدولة وتقويمه بلا حرج وتقديم النصح بلا تردد والمساهمة في رسم موجهات المستقبل، التي حدد لها المحاور التالية: *التأكيد على ارتباط أمن السودان ومستقبله بالدعوة الإسلامية بمفهومها الشامل. *اعتماد المناهج والأدوات اللازمة لبناء مستقبل الدعوة باستبصار ووعي وما يلزم من اجتهاد جماعي وخطط فنية وتدريب جيّد. *استصحاب الواقع والتركيز على النجاحات والإفادة من تجارب المجتمعات التي اخترقت ونجحت. *التراضي على هيكل تنظيمي لمستقبل الدعوة الإسلامية «نموذج مقترح» يراعي الانتشار المتوازن لمؤسسات العمل الدعوي وبناء القدرات وإنتاج مواد (الخطاب) (والفعل) الدعوي، مع التغطية الشاملة لبلوغ أمة البلاغ المبين مع استصحاب مباديء عالمية الدعوة والتواصل المنفتح مع العالم الخارجي. تلاحظ أن الندوة قد عانت كثيراً من التوفيق بين كثرة الموضوعات وأوراق العمل المطروحة والوقت غير الكافي للعرض والمناقشة واستخلاص النتائج والتوصيات مما جعل الأخ/ خليل عبد الله وزير الدولة بوزارة الإرشاد والأوقاف يقترح ألا تزيد موضوعات الندوة القادمة إن شاء الله عن ثلاث قضايا محورية، وأقترح أن تكون موضوعاتها على النحو التالي: 1/ مراجعات في فقه الدولة. 2/ مجالات التمويل الدعوي. 3/ الدعوة الإسلامية في جنوب السودان.