اهتمت جميع الصحف الصادرة الأحد الماضي بإفادات وزير المالية علي محمود التي نشرتها صحيفة (الشرق الأوسط السعودية), والتي تحسنت علاقتها بالحكومة وأصبح وزير المالية يتحدث اليها بعد أن كانت الخرطوم تصفها (بخضراء الدمن), واهتمام الصحافة بحديث وزير المالية طبيعي جداً في مناخ الخوف والهلع الذي يعيشه السودانيون مع اقتراب الجنوب من الرحيل والذهاب لسبيله دولة مستقلة, رغم أن وزير المالية الحالي (علي محمود) أكثر انفتاحاً على وسائل الإعلام من الذين سبقوه, بدءاً من عبد الوهاب عثمان الشهير ببادي أبو شلوخ, والزبير أحمد الحسن ود. عوض أحمد الجاز, والوزير الوحيد الذي جلس على كرسي المالية وكان صريحاً جداً مع الشعب السوداني هو عبد الرحيم حمدي حتى جلبت اليه صراحته المتاعب والرهق, وجعلته مبغوضاً رغم دوره في إنقاذ الاقتصاد السوداني ورسم سياسات أخرجت البلاد من غرفة الإنعاش إلى فضاء الشارع العام. طالب وزير المالية الشعب بالتقشف والعودة لتناول الكسرة والعصيدة في مقبل الأيام بعد انفصال الجنوب وفقدان خزانة الدولة ل 50% من عائدات البترول, و70% من احتياطي النفط, ولم يجد وزير المالية صادرات زراعية أو حيوانية لسد النقص الكبير في العملات الأجنية إلا بمطالبة الشعب السوداني بالعودة للجذور وتناول العصيدة التي تصنع من الدخن وعيش (الماريق) بأنواعه ( قدم الحمام) (أم بنين) و(الكرقي) وعشرات الأنواع من (العيوش) التي دخلت حتى في مفردات مديح المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، ولكنها خرجت من صينية سكان مدن السودان حتى بلغت فاتورة استيراد القمح ودقيق الفينو الاسترالي والمصري والسعودي (2) مليار دولار في السنة تدفعها خزانة الدولة التي رفعت قبل (20) عاماً شعار نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع, وخدعنا أنفسنا بأننا سلة غذاء العرب وأفريقيا ولكننا فشلنا في توفير (الفتريتة الحرة) لدارفور حينما ضربتها الحروب والمجاعات. النبأ المفزع الذي بثه وزير المالية للرأي العام السوداني ليس في العودة (لعواسة) الكسرة وملاح أم شعيفة, لأن أغلبية أهل السودان يتناولون وجبتين فقط في اليوم, فطور وغداء قبل المغرب بقليل... هؤلاء لا تخيفهم ( كسرة الوزير) بقدر ما تمثل الصورة التي رسمها وزير المالية دافعاً لأي مستثمر سوداني يفكر ويتدبر في توظيف أمواله داخلياً بصرف النظر أو تجميد استثماراته حتى يصبح صبح الانفصال, وتغرب شمس الوحدة للأبد. وقد برع الزملاء الصحافيون في تقديم تصريحات الوزير بما يشتهي القاريء ويجذبه لشراء الصحفية « فالمنشيت» فن وقدرات وتوظيف للمتاح من الأخبار على طريقة الصديق زكريا حامد حينما كنا نكابد في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي لجعل ألوان في الصدارة, فحمل إليه أسامة يوسف من الجزيرة نبأ حادث حركة في طريق مدني أدى لمقتل (4) أشخاص, وجرح (29) آخرين, فقال زكريا لو زاد عدد القتلى لأصبح الخبر (منشيت) رئيسياً, ذلك قبل أن تتفتق عبقرية جمع القتلى والجرحى لخداع القاريء بالقول (33) قتيلاً وجريحاً في حادث حركة أليم, وحتى يتحفنا وزير المالية (بالكسرة) والقراصة وملاح (الشرموط), نسأل السيد الوزير هل هي صراحة سياسي.. أم تخويف للشماليين من الانفصال الذي لا يقرره إلا جنوبي حدده القانون!