تذكرون ليلة السابع والعشرين من يناير الماضي، أو ليل ذلك اليوم حتى لا (يصححني) أحد بأن الليلة تسبق اليوم وغير ذلك من (فارغاتنا) المقدودة.. تذكرون يوم سبعة وعشرين بالليل عندما خلت الشوارع من السيارات ومن المارة.. يترقبون خطاب الرئيس الذي عرف فيما بعد بخطاب الوثبة؟ أين اليوم بل وقبل اليوم بكثير تلك الآمال العراض؟ ولماذا تبخرت بهذه السرعة القياسية؟ علقت الآمال على الخطاب لأن الحوار عرض ممن يملك أسباب التغيير بعد أن ملك مقدرات الدولة.. ظن الناس كل الناس يومها أن الرئيس مقبل طائعاً مختاراً على تقديم تنازلات من النظام كمقابل حتمي لتحقيق قدر معتبر من الوفاق عبر آلية سياسية محددة، عرفت بنجاعتها في تحقيق هذا الهدف.. كلمة السر هنا ليست الآلية بل هي صدور المبادرة ممن يملك، وبمعرفة كلمة السر ندرك سبب تبخر آلآمال.. فقد تراجع من يملك عن وعد العطاء الذي كان منتظراً.. ليدخل الحوار في حلقة لجنة السبعة المفرغة التي لا شبيه لها غير الكسر الدائري.. نعود إلى يوم سبعة وعشرين بالليل، حيث كان الصادق المهدي وغازي والترابي في القاعة يترقبون.. فأين هم اليوم؟ ذهب الصادق المهدي إلى الجبهة الثورية كأبلغ تعبير عن خيبته، فقد تحمل في سبيل الحوار إتهامات بمهادنة النظام.. فإذا بالنظام يدفعه دفعاً لترك الحوار والإتجاه نحو من يجاهرون بعدم ثقتهم في مبادرات الإنقاذ.. ويعجب اليوم أركان في النظام نفسه من فتح الحكومة الباب أمام الجبهة الثورية وإغلاقه في وجه المهدي، ولا يبدي بقية أركان الحوار- بمن فيهم الترابي- ذات الحماس الذي كان واضحاً في تلك الليلة في أخريات يناير.. السبب واحد، هو أن من يملك مفتاح إنجاح الحوار يحمل معنى للحوار لا يحمله بقية المتحاورين.. وسوف يظل الحوار في حلقته المفرغة هذه ما لم يحدث اختراق حقيقي بتقديم المؤتمر الوطني فهماً جديداً يحمل كلمة السر.. هذا هو الشرط الوحيد في حوار الوثبة وحوار أديس أبابا الذي يتجدد هذه الأيام.. قد تكون للأخير قوة دفع إضافية تتمثل في وجود وسيط خارجي قد يحمل بعض كروت الضغط.. لكنها لن تكون بديلاً لإرادة سياسية وطنية يتحمل المؤتمر الوطني الجانب الأهم فيها، باعتباره (المحتفظ) حتى الآن بأسباب الأزمة ومفاتيح الحل.. فهل يحرص المؤتمر الوطني على حوار بادر هو بفتحه.. أم يعبِّر بلسان الحال عن تراجعه عن مبادرة قادته إلى ما لم يحتسب ويتحسب؟