يعتبر وضع غير المسلمين في الدولة الإسلامية أحد الإختبارات الصعبة أمام المفكرين الإسلاميين.. حيث أصبح موضوع (المواطنة) أحد مستجدات كتابة الدساتير في الدول الإسلامية، وقد شكل الجنوبيون قبل انفصال دولتهم اختباراً حقيقياً لدولة الشريعة في التعامل مع غير المسلم.. فبينما رأى البعض أن وجودهم لا يشكل مشكلة بل (فرصة) لإثبات قدرة الإسلام السياسي على تحقيق العدالة لكل مواطني دولته، رأى آخرون أن وجودهم يعتبر عقبة أمام تطبيق الشريعة (النقية) وأنها تكون (مدغمسة) في حال وجود الجنوبيين المسيحيين ضمن مواطني السودان.. وقد قال قائلهم معبراً عن هذه الفكرة بعد الإنفصال (تاني دغمسة مافي) حتى راجت هذه المفردة للتعبير عن كل ما هو غامض.. فهل يعتبر التصريح إقراراً بأن الشريعة لا يمكن تطبيقها كاملة بغير التمييز السلبي لغير المسلم؟ التمييز السلبي ظاهرة سياسية لا ترتبط بدين محدد أو مذهب؛ فهي فكرة عند أهل الدغمسة مثلما كانت عند عنصريي جنوب أفريقيا، ومثلما هي عند النازيين في ألمانيا، والفاشيين في إيطاليا.. وعليه فإن علاج التمييز لا يكون بالتركيز عند كل حالة على حدا، بل بوضع مبدأ ديمقراطي عام يتجاوز المحاولات الجزئية، وبذلك تسقط تلقائياً أفكار التمييز السلبي سواء أكانت دينية مثل التي عند أهل الدغمسة أو العنصرية، كما كانت في جنوب أفريقيا.. وينص صراحة في كل دستور على الحقوق المتساوية لكل المواطنين بغض النظر عن معتقداتهم.. بعدها لا يخشى أحد من شطحات فكرية تستمد فكرة التمييز من قداسة زائفة. عدم استشعار المفكر أو السياسي بخطر فكرة التمييز السلبي مقدمة لدولة الإحتقان السياسي، وتمهيد للتفكك وبداية للتمزق، فالمواطن لا يستفزه شيء مثل الإحساس بالدونية في وطنه والشعور بالغربة في بلده. ولذا لا بد من وأد فكرة التمييز في مهدها وعدم الإستهانة بخطرها في بداياتها التي تحمل نذر شر مستطير.. وتكون الفكرة أكثر خطراً عندما يكون التمييز قائماً على فهم ديني يستمد منه القرار السياسي قداسة مهما بلغ ضرر القرار.. وبما أن التمييز ديدن كل دكتاتور، فقد يلجأ للدين كغطاء سياسي للتمييز السلبي، فيطال التمييز غير المسلم، ثم يشمل المعارض ولو كان مسلماً.. و ليه تكون الديمقراطية هي الحل مهما اختلفت مداخل تناول التمييز السلبي.. وتكون الديمقراطية هي الحل حتى عند تناول قضايا أخرى غير التمييز السلبي، فالديمقراطية هي كلمة السر عند كل قضية كبيرة..