وعندما تضيق بي الدنيا بما رحبت.. وعندما «تتقفل قبل الله الأربعة في وجهي» وعندما يفيض بي كيل الاسى واليأس والهزيمة وعندما اشاهد سيرك الوطن الجريح.. وعندما تتدفق دموعي نحيبا على وطن احببته حد الجنون.. بل ما برحت اهتف مع المتنبئ ذاك المتسول الذي يخاطب سيف الدولة بكلمات رائعات ومبهرات استلفهم منه مع الفارق الذي هو بعد السماء عن الأرض.. بعد الثرى عن الثريا.. فقد كان هناك سيف الدولة وهنا السودان ذلك الوطن النبيل المدهش الفريد استلف مع التحوير والتبديل مالي اكتم حبا للسودان قد برى جسدي وتدعي حبه كل امم الأرض عندما ابلغ تلك المرحلة من التلاشي بل عندما اصل مرحلة «الجن» العديل الوذ بل اركض حافيا الى خزانة كتبي.. التمس منها العزاء والسلوى والعلاج اقف قليلا امام ارففها لاتناول بلا تدقيق ولا بحث ولا هدف كتابا اي كتاب قصة او ديوان شعر او سيرة اسلامية او رائعة من ادباء العرب او الافارقة من اعمال المسلمين او من ادباء الكفار الصليبيين من شطحات وبدائع وروائع المتصوفة او حتى من كتاب شرق الدنيا من الملاحدة لا يهم ماذا يحمل الكتاب من عنوان لا يهم ما بين دفتيه من الوان المهم اني افرغ في صفحاته وبين حروفه ومن بين ثنياته ألمي وحزني ومتجري وهواني وقلة حيلتي وقبل يومين فقط اعترتني نفس الحالة ركضت مسرعا للمكتبة التقطت كتابا ظل يرقد في الرف بلا انتباه مني بل كانت غفلة تجسد غبائي وبلادتي وهواني فقد كان كتابا ثريا فخما غنيا حافلا محلقا في سماوات شديدة البهاء بالغة الضياء كان اسم المخطوطة الهائلة وكان عنوان الكتاب وبمواقفه المترفة وفصوله المدهشة ووقائعه الشاهقة واضوائه الباهرة يحمل اسم (في بلاط الدبلوماسية والسلطة) والكتاب كان نثرا بديعا ورسما بالكلمات انيقا جادت به روح وقلب وعقل الدبلوماسي السفير (أبو بكر عثمان محمد صالح) وبدأت عيوني تلتقط الكلمات في ترف وفرح فقد كان الكتاب يسرد في ابهار مسيرة الوطن في ذاك الزمان البهي والبديع اقرأ صفحة كاملة اتوقف طويلا لأن صور الوطن تمر امام عيوني مشرقة وبديعة لذا اتوقف طويلا عند كل فصل من فصول الكتاب اتكئ على جذع شجرة في حديقة عندما تشتد علي الحمول وعندما تنبهل الأسئلة كوابل المطر كيف السودان آنذاك وكيف هو الآن المهم مرة اضحك والسودان يتلألأ ومرة ابكي والسودان اليوم ومرة اتحمل اساي والسودان الذي كان يقود الأمة العربية و»يقطر» من خلفه كل الأمة الافريقية ينطبق عليه تماما بكاء اسماعيل حسن وهو ينتحب حليل الكان بيهدي الغير صبح مسكين يكوس هداي». احبتي سأحدثكم عن السودان ذاك الذي كان احد وجوهه خارج اسوار الوطن وكان احد نجومه في كل سماء الدنيا وكان احد السنته في كل بلاد العرب والعجم هو السفير المؤلف ابوبكر عثمان محمد صالح. نعم سأحدثكم عن وطننا الذي كان فنارا مشعا في ميناء هائلة والذي كان قمرا يشع ضياء في ليالي وأماسي حالكة ولا بأس ان نجلد انفسنا كلنا وفي «سادية» والسؤال المزلزل والجواب المجلجل ومن أضاع السودان وكلنا اضاع السودان. وبكرة نتلاقى.