٭ تذكرت هذا المثل السوداني القديم وأنا أطالع التقرير المخدوم والموثق للغراء «السوداني»-الأحد 7 سبتمبر 4102- حول ما يجري في وزارة العدل بين الوزير ومستشاريه تحت عنوان «وزير العدل.. خسائر قانونية»، والقرار «المعيب»، بحسب رأي المحكمة، الذي اتخذه الوزير بتعيينه «لجنة تسيير» للجمعية الخيرية للمستشاريين، بعد خلاف وقع بين بعض أعضائها حول عقد الجمعية العمومية للجمعية الخيرية التي لم تنعقد لفترة طويلة.. فالوزير قام من جانبه بخطوة مفاجئة حل بمقتضاها اللجنة التنفيذية القائمة، وكوّن لجنة تسيير قوبلت بالرفض من عدد من المستشارين الذين اتجهوا للقضاء لإبطال قرار الوزير. ٭ هذه واحدة، أما الاخرى فقد تمثلت في قرار الوزارة والوزير بفصل المستشار ياسر سيد أحمد رئيس إدارة حقوق الانسان بالوزارة نائب الرئيس السابق للجنة الافريقية لحقوق الانسان الذي قضت المحكمة -محكمة الطعون الادارية- باعادته الى العمل، الحكم الذي أيدته أيضاً المحكمة العليا واعتبرته قراراً «معيباً» ومخالفاً للقانون.. لكن الوزارة لم تستجب حتى الآن لقرار المحكمة واعادة المستشار لعمله.. وكيل وزارة العدل السابق مولانا عبد الدائم زمراوي محامي المستشار المفصول عبّر عن أمله أن تستجيب الوزارة لحكم المحكمة باعادة موكله الى العمل، لأنه كما قال «قرار صادف صحيح القانون لأن الدولة يجب ان تكون قدوة في انفاذ احكام القضاء» بالرغم من انه -كما أوضح- لا يزال لدى الوزارة فرصة التقدم بطلب مراجعة، اذا كان الحكم المراد مراجعته قد «خالف نصاً شرعياً» وبإذن من رئيس القضاء.. وهي فرصة ضئيلة، كما يبدو لي من واقع التفاصيل المنشورة. ٭ ما همني في كل هذا التقرير الطويل العريض المفصل، هو أن يتخذ الرجل القائم على وزارة العدل من القرارات ما يمكن ان تكون فيه شبهة -مجرد شبهة- لمخالفة صحيح القانون، لأنه أنا وأنت أيها القاريء وأي من أبناء هذا الشعب الكريم لن يتوقع ان يتخذ «وزير العدل» -أي وزير عدل كان- قرارات منافية لمنطوق وصحيح القانون، بحكم ان من يحتل هذا المنصب يفترض أن يكون الحارس الواقف أمام بوابة العدالة.. لا ان يضطر المحاكم، التي تقع تحت سلطة وزارته «ادارياً» على الأقل، أن تصدر أحكاماً بأنه اتخذ «قرارات معيبة».. وهو ما حدث في كلا الحكمين الصادرين بشأن جمعية المستشارين الخيرية، وفصل المستشار ياسر سيد احمد.. الامر الذي رتب خسائر قانونية على وزير العدل.. «فجات الحكاية في وشه».. بينما كان بامكانه، وهو من أهل القانون -تعليماً وتدريباً- ان يتفادها بكل بساطة بحكم علمه أو باستشارة فقهاء القانون وما أكثرهم في وزارته. ٭ ففي القضية الأولى -قضية الجمعية الطوعية- قال قاضي المحكمة العليا المختص بنظر الطعون الادارية انه بعد الاطلاع على قانون النائب العام ولوائحه وقانون العمل الطوعي ولوائحه لم تجد المحكمة ما يفيد بأن الجمعية الخيرية هي أحد توابع وزارة العدل الرسمية وانما هي جمعية للمستشارين بحكم وجودها ونشأتها.. ولم تجد المحكمة ضمن اللائحة أي سلطة للنائب العام أو وزير العدل.. ولهذا يعتبر تدخله تدخلاً يجافي روح القوانين، إذ أن الحل لهذه اللجنة يكون حصرياً ووفقاً لتلك اللائحة للمسجل دون سواه، والمقصود بالمسجل هو مسجل تنظيمات العمل الطوعي الانساني. ٭ أما في القضية الثانية، قضية فصل المستشار ياسر سيد أحمد الذي أشتكى ضد فصله لمحكمة الطعون الادارية واصدرت حكمها باعادته للعمل، فإن الوزارة لم تكتف بقرار «الطعون الادارية» بل أصرّت على موقفها وانفاذ القرار الذي اعتبرته المحكمة «معيباً» فذهبت الى المحكمة العليا التي أيدت الحكم السابق وثبتت «عيب القرار»، وليت الوزير والوزارة اكتفوا بحكم المحكمة العليا بإعتبار أن «الحكم عنوان الحقيقة»، وفق القاعدة القانونية المشهورة.. خصوصاً عندما يصدر من أعلى درجات التقاضي.. ولكن الوزارة ربما تفكر في مزيد من التعنت و«الملاواة»، كما أشار مولانا زمراوي بأن تذهب الى «مراجعة شرعية» لن يجيزها الا رئيس القضاء شخصياً. ٭ ليس من العيب ان يختلط أمر القوانين أو ان تأتي تشريعاتها منافية لروح العدالة ويجري تعديلها وتصويبها من وقت لآخر، بواسطة الاجهزة التشريعية، ولكن العيب كل العيب، في الاصرار والتعنت ومخالفة بعض مسؤولي الدولة لكلمة القضاء، خصوصاً أولئك القيمين على احقاق الحقوق وافشاء العدل بين الناس، ويحق عليهم المثل القائل، «عيب الزاد ولا عيب سيدو»!