وسحائب المزن تهطل على قبرك الحبيب الغالي الخالد ابداً في وجدان الشعب.. المحفورة حروفه في ضلوع الأمة.. المطبوعة قصائده للوطن على ِلحى الأشجار في صم الحجارة محجوب شريف.. وعذراً شاهقاً له وأنا استلف كلماته لتكون عنواناً لهذه السلسلة من الحديث عن الاستقلال وذكرى الاستقلال التي ما أن تحل كل عام.. كل عام.. حتى يجتاحني الوجع ويعصف بي الحزن والأسى.. على وطن لم يتقدم شبراً منذ الاستقلال وحتى الآن.. بل أهِلنا اكوام التراب على بعض منشآت كانت مصابيح بهيرة أقامها هؤلاء الانجليز «الكفار» على أرض وطن مدهش فريد ونبيل.. نعم.. عند ذكرى الاستقلال من كل عام.. أتذكر.. نشيد الشريف محجوب ونرفع راية هم خلوها فوق السارية متكية.. والرجل كتب ذاك النشيد عندما ارتفعت فوق سماء الوطن رايات تحمل النبوءات الجريئة، وتبشر بعهد كان الأمل ان تمشي على الطرقات الاحلام الشاهقة ببناء وطن شامخ وطن عاتي وطن خيّر ديمقراطي.. وعندما تطلعت الأرواح لبناء صروح جبارة في إشتراكية ماجدة.. ومراقبة لشمس تتسلل أشعتها من بين طيات وظلمات ليل طويل.. وتستشهد الأحلام دوماً في هذا الوطن الفسيح.. وتذبح الأماني وهي في المهد صبية.. وتطوى الرايات راية إثر راية وتودع في متاحف النسيان. والآن أقول وبعد تسعة وخمسين سنة من استقلال «لا فيهو شق ولا فيهو طق» أقول ونرفع راية هم خلوها فوق السارية متكية.. نعم رفع أسلافنا الراية فوق سارية القصر.. ولكنه كان استقلال تحرير لا استقلال تعمير.. وهنا تكمن المعضلة وتطل عارية المشكلة.. والعالم كل العالم.. الأوطان كل وطن عندما ينعتق من قيد الاستعمار وتسطع شمس الحرية في كبد سماؤه يرفع شعار التعمير.. وتتوالى حلقات التقدم والسير بالأوطان إلى الأمام وتطوى صفحة التحرر الوطني وتبدأ ملحمة البناء الهائل للوطن. أنا لا أتحدث عن حقبة محددة.. ولا نظام بعينه.. ولا حكومة باسمها بل أقول بثقة الواثق اننا كلنا.. كلنا وبلا استثناء.. وان كل الحكومات المتعاقبة منذ يناير 65 وحتى يومنا هذا لم نقم بواجبنا كاملاً أو حتى منقوصاً في بناء الوطن.. لا نقول هذا ولا نكتب هذا جلداً للذات.. ولا تحت مظلة سادية غشومة كما أنه ليس جحوداً ولا انكاراً لأي مجهود ولكن لأننا نعيش في هذا الكوكب.. نرى ونسمع ونشاهد أوطاناً نالت استقلالها معنا تماماً.. وأخرى بعدنا بسنوات نرى انها قد تفوقت علينا ابداعاً وانجازاً وإبهاراً استحضر مثلاً وفي ذهنك الجزائر تلك التي نالت استقلالها بعدنا بأربع سنوات.. وقارن بينها وبين وطننا.. لتدهش وتتحسر و «تبكي» أذهب إلى ماليزيا تلك التي كانت تزحف على بطنها.. وقائدها «مهاتير» يتعهد لشعبه بأن ماليزيا وبعد عشرين سنة سوف تكون قوة إقتصادية هائلة وتنسلخ السنوات العشرين و«يفتح» الناس عيونهم ليجدوا أن ماليزيا نمراً آسيوياً بالغ الفتوة.. عملاقاً هائلاً.. وسماء تحجب شمسها أدخنة المصانع.. ومروجاً من الخضرة وتلالاً من الثمار.. وصناعة رقمية باهرة وحاذقة.. كل ذلك في عشرين سنة.. ونحن ما زلنا نبشر ونعرض ونتقافز و «الساوند سيستم» يطرش الآذان احتفالاً بسفلتة خمسة عشر كيلو متراً في طريق.