سبحان الله.. ليس في التعامل أو العطاء فقط، بل حتى في المفردات تجد مفردة تستحوذ على مشاعرك.. وتفرض تذوقها عليك وتلتقط حفيدتي تبيبان إبراهيم عبيد.. الدكتورة الصيدلانية هذه المفردة مؤخراً لست أدري من أين.. فترد عليّ عندما أشير عليها بأمر أو أطلب منها القيام به قائلة (سمح).. فتعيدني إلى ذكريات جداتي في بربر، وكن يستعملن المفردة بل يستعملها أغلب الناس.. كما سأذكر لاحقاً.. فكلمة (سمح) ومشتقاتها تطربني كثيراً.. تقول المعاجم سمح.. سمحاً وسماحةً تعني لَانَ وسَهُلَ .. وسمح العود إذا إستوى وتجرد من العُقَّد.. وتسميها العيون والنتوء.. ومن معاني كلمة سمح (فعل ماضٍ) انقاد بعد استصعاب، وسمح فلان أي بذل في اليسر والعسر عن كرم وسخاء وسمح له بحاجة .. يسرها له.. وسمُح (بضم الميم) سماحةً وسموحةً أي صار من أهل السماحة.. فهو سمْح بتسكين المميم.. ويقال سمحت نفسه أي ذلت وانقادت وأطاعت.. وسامحه بكذا أي وافقه على مطلوبه.. وسامحه بذنبه عفا عنه.. وندعو لمن تعدى أو أخطأ نقول (سامحك الله) أي عفا عنك.. (وبيع السماح) الوارد في التعامل التجاري هو البيع بأقل من الثمن المناسب.. ورقصة السماح هي ضرب من الرقص الجماعي يتشابك فيه الراقصون والراقصات على شكل حلقة (وهو أمر محدث) والسماحة هي أجود الكرم قال الشاعر: (إقدام عمرو، في سماحة حاتم.. في حلم أحنف في ذكاء إياس).. وحاتم هو حاتم الطائي المضروب به المثل في الكرم والسماحة والسمحة مؤنث السمح ويقال.. شريعة سمحة وسمحاء أي فيها يسر وسهولة وجمعها سِماح بكسر السين. والمسمح هو السهل اليسير.. يقال عليك بالحق فإن فيه مسمحاً ومندوحة عن الباطل.. ونقول للتعظيم (سماحة المفتي.. وسماحة القاضي) وبالعامية نقول سمح بمعنى جميل.. الزول السمح الذي كان سبباً في تخلف شاعرنا الحاردلو عن لحاق العيد بين أهله فاعتذر قائلاً: الزول السمح فات الكبار والقدرو.. ولو شافوه ناس «عبد الله» كانوا بعذروا.. السبب الحماني العيد هناك أحضرو.. درديق الشبيكي البنتوه في صدروا .. والشبيكي هو طقم من الذهب.. وبنتوه أي نسقوه على صدر الفتاة ويتفق تعبيرنا (قوامها سمح) مع اللغة الفصحى التي تشير إلى أن العود السمح هو العود المستوي الذي لانتوء به ولا إعوجاج .. ونقول فلان طبعه سمح أي مسالم ومتسامح وهاديء لا يؤذي أحداً ولا يضر ولو بكلمة.. ونقول فلان إيدو سمحة أي يجيد عمله.. نقولها للصائغ وحتى الجراح وللمرأة التي تجيد الطعام وتضبط مقاديره ونقول عن الطعام اللذيذ (سمح) ونقول أيضاً إيدو سمحة أي فيها البركة فهو لا يبذر ولا يغتر ونقول سمح عند الإجابة- بمعنى حاضر أو موافق.. وسمَّحوها للعروسة.. بمعنى زينوها وجملوها.. ونقول عن قطعة الأرض سمحة بمعنى موقعها أو مساحتها مناسبة.. وموسيقى سمحة وقصة سمحة، وبيت سمح وكلها بمعنى جميلة وللمبالغة نقول (فايته السماحة).. وسمح عند الموافقة..( سمح خلاص.. نبقى على كده) ونصِف بعض الصفات بالسمحة (سمحة الهيبة فوق مختار) .. ونطمئن بها الحبيب (مسامحك ياحبيبي٭ مهما قسيت عليَّ) ولابد أن نذكر له سبب (السماحة).. قلبك عارفوا أبيض وكلك حسن نية.. وإذا أخطأنا لابد لنا أن نطلب السماح (سامحني غلطان بعتذر.. وفي حال المنازعات نقول (المسامح كريم) وفي المواساة نقول لمن فقد ماله.. الجاتك في مالك سامحتك.. يعني أحمد الله أن المصيبة أخطأت جسدك وعافيتك وأهلك.. والنساء يقلن عندما يشاهدن عملاً باذخاً (سمحة المقدرة) وهن يعنين المقدرة المالية التي مكنت من هذا العمل.. وللتضخيم والإعجاب نقول (سماحة بت) وسماحة أكله.. الخ.. ولمن يريد السفر..أوإنشاء مشروع نقول (فالك سمح) أي موفق ونتمنى لك حظاً جميلاً.. ونقول عن الزوجة التي يصيب زوجها بعد الزواج بها خيراً ويسراً وتوفيقاً في ماله وأعماله (قدَمَها عليهو سمح).. وأذكر في طفولتنا ببربر معلمة العرائس (فضايلو) التي تتمتع بصوت جهوري عال يسمع عبرالأحياء عند (قطع الرحط) في الليل الهادي.. وهي رقصة خاصة يحضرها من الرجال (العريس وحده) مع النساء وترقص فيها العروسة شبه عارية.. لعرض قوامها الذي لم يشاهده العريس من قبل لتطمينه أنها خالية من أي عيوب.. فتصيح المعلمة «فضايلو» عندما تشاهد علامات الرضاء على العريس بعروسته قائلة (سمحة.. ستو) فتُسْمع عبر الأحياء كما ذكرت.. وحتى في حالات العنف فنحن نستعمل كلمة سماحة فنقول - أداه سماحة كَفْ.. ومقلبو سماحة مقلب.. وجاتنا سماحة هبوب.. وفي القروض يقولون فترة سماح كذا سنة أو كذا شهر أي إعفاء عن سداد الأقساط حتى يثمر المشروع فيبدأ لسداد.. وفي الحلفاية فرع أو ترعة من النيل يسمونها (سماحة) تتفاءل بها النساء كثيراً مثل (حرازة) بربر وفي بربر إحدى بلدياتنا كان اسمها (سماحة)... ولمن هي جميلة الخَلق (بفتح ا لخاء) وسيئة الُخلق بضم الخاء يقولون (السماحة سماحة الطبع) إذن فكلمة سماح وتدل ومشتقاتها على اللين واليسر والاستواء والكرم والسخاء والعفو والبيع اليسير وتعاليم الشريعة الميسرة، والتزام الحق.. والجمال والتضخيم والتعبير عن العنف وإجادة العمل والرقص الجماعي والموافقة على الرأي والإعجاب والإعفاء المؤقت.. والدائم.. فما أجملها وما أشملها من مفردة.. وسامحوني سامحكم المسامح الكريم.