٭ صدرت صحيفة (أول النهار) يوم أمس الاول السبت في عددها (33) بمانشيت جاذب «شكلاً».. لكن ما ان تقرأ الخبر حتى تتبين ان هيئة التحرير برئاسة صديقنا وزميلنا السابق خالد ساتي قد عمدت الى نهج «الاثارة».. لتخاطب عيون القراء وليس عقولهم.. العنوان الاحمر يقول.. «مفوضية الانتخابات (تمنع) البشير من افتتاح مستشفى بحري» ! ً٭ القصة وما فيها.. كما هي واردة في الخبر.. ان المنظمين لاحتفال مستشفى الحوادث الجديد بالخرطوم بحري تفاجأوا باعتذار رئيس الجمهورية عمر البشير عن حضور افتتاح المستشفى، الذي تعتبره ولاية الخرطوم انجازاً صحياً كبيراً، وان والي الخرطوم د. عبد الرحمن الخضر اعتذر للحضور معلناً عن حضور نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن بدلاً من البشير.. الى هنا كل شيء عادي.. لكن ما اضافه السيد الوالي الخضر هو (الخبر) وهو المهم.. فقد ابلغ سيادته شهود الافتتاح بأن الرئيس اعتذر في «اللحظات الاخيرة».. بسبب ضوابط مفوضية الانتخابات التي تمنع البشير من مخاطبة اي احتفالات رسمية لانها تمثل دعاية انتخابية له (غير متاحة) لمنافسيه. ٭ ولنا اكثر من ملاحظة على الخبر وعلى ما افضى به السيد الوالي امام جمهور المحتفلين بالافتتاح. ٭ فالخبر يقول أن «المفوضية» هي التي «منعت» البشير من حضور الاحتفال، وهذا مخالف لما هو وارد في متن الخبر ذاته بأن الرئيس «اعتذر في اللحظات الاخيرة بسبب ضوابط مفوضية الانتخابات» التي تمنع المرشحين من مخاطبة اي احتفالات رسمية.. وهذا باختصار ووضوح شديد ان الرئيس هو من رَاعَى تلك «الضوابط» وليس المفوضية هي التي نبهته او أبلغته في تلك «اللحظات الاخيرة» ان عليه ان لا يتوجه الى بحري لحضور حفل الافتتاح أو مخاطبته فاستجاب للامر المباشر.. فكان يجب -موضوعياً ومهنياً- أن يكون مضمون العنوان ما معناه ان «البشير يعتذرعن حضور افتتاح مستشفى بحري مراعاة لضوابط الانتخابات» وهذا «الاعتذار» هو ما ورد في نص حديث الوالي الذي اوردته الصحيفة في الخبر. اعتذار وقع في «اللحظات الأخيرة». ٭ اما الملاحظة الثانية، والأهم، فتتعلق بحديث الوالي المُبرِّر لضوابط الانتخابات التي تمنع البشير من مخاطبة اي احتفالات رسمية لانها تمثل دعاية انتخابية (غير متاحة) لمنافسيه.. لهذا تم الاستعاضة «بنائب الرئيس» و«بالوالي» نفسه -وهو رئيس حزب المؤتمر الوطني بالخرطوم، حزب الرئيس- لافتتاح المستشفى الجديد والكبير للطواريء والحوادث.. فهذه (الاستعاضة) بنائب الرئيس وبوالي الخرطوم، حتى لا يخاطب البشير الجمهور «كدعاية انتخابية له» على حساب منافسيه.. تذكرنا بالمثل القديم، الذي يسخر من الفرق المصطنع بين «احمد وحاج احمد» ونضيف اليه هنا «سيد احمد» الذي هو الوالي في هذه الحالة.. فأي «وزنة» تلك التي تجعل المفوضية أو حزب الرئيس يفصل بشكل «تعسفي» بين الرئيس ونائبه وواليه على الخرطوم، ليفهم جمهور الحضور او المتلقين أن ذلك «الانجاز» لا يصب في صالح الرئيس وحكومته ودعايته الانتخابية؟! ٭ المشكلة.. يا سادة.. التي هي حجة المعارضة بكل اطيافها.. ان قيام الانتخابات في ظل حكومة حكمت البلاد لأكثر من ربع قرن من الزمان لا تتيح اصلاً «قواعد المنافسة الحرة» ، مهما فعل المعارضون ومهما اجتهد الحاكمون لان يتحلوا بالحيدة والنزاهة، لأن الحاكمين ببساطة يمسكون بكل مفاصل الدولة، ولا يمكن ان يتخلوا عن مواقعهم ومسؤولياتهم فجأة -في لحظة الانتخابات- حتى يكون الجميع سواسية أمام صناديق الاقتراع.. فامكانات الدولة كلها بيدهم.. بحكم الواقع.. فهم يتحركون بطائراتها وسياراتها بين اركان الوطن الاربعة، وهم يُستقبلون رسمياً من الولاة وموظفي الدولة من مدنيين وعسكريين اينما حلوا.. فتنعدم (عملياً) فرص المنافسة او تتضاءل، خصوصاً في مجتمعنا الذي ينظر فيه اغلب الناس الى مصالحهم الآنية، ولا يغامرون بها -عادة- في سبيل «تغيير» غير مضمون العواقب على تلك المصالح. ٭ كان ذلك هو سبب دعوة المعارضة عندما طُرح «الحوار الوطني» بضرورة قيام «حكومة انتقالية».. حتى ولو برئاسة المشير البشير نفسه.. حكومة تشرف على انتخابات حرة ونزيهة يشترك الجميع في تشكيل مفوضية الانتخابات ويراقبون مجرياتها سوياً.. وان يبتعد الحزب الحاكم عن اي تدخل فيها ويصبح كغيره حزباً بين الاحزاب المتنافسة.. وقطعاً لم يك هذا متاحاً بحكم الواقع الماثل في بلادنا.. ولكن ما الذي يمنع المعارضة من ان تحلم.. فالاحلام لا رقيب عليها! ٭ من هنا نقول لسعادة الوالي الخضر، وللسادة في المفوضية، «ما كانت فارقة» اذا افتتح الرئيس المستشفى أو نائبه او حتى السيد الوالي نفسه.. فالحال من بعضه والمحصلة النهائية واحدة.