تتشابه كرامات الصوفية في السودان، مع مثيلاتها عند الشعوب الاسلامية، مع التميز باختلاف تراثي وبيئي يتخلل نصها المقدس. ولقد اقتبست الكرامة من التراث المحلي ومن الثقافة الاسلامية الشيء الكثير ،على سبيل المثال، هناك مقارنة لا تنفك الأفعال الخارقة لعصا موسي عليه السلام وعصا الشيخ خوجلي.. فهي أي عصا الشيخ خوجلي ما وُضِعت في موضع قل ماؤه إلا وتفجر نبعه، وعلى حد تعبير ود ضيف الله ، فإن عصا الشيخ خوجلي، ما وُضِعت في جزيرة ،«إلا ذهب الرمل، وهاج الماء فوراً»...! وهنالك تشابه بين شكوى المحس سُكّان توتي من الجفاف، وشكوى قوم موسى، وقد أورد ود ضيف الله شكوى المحس في الطبقات، إذ قالوا للشيخ خوجلي «لا يسعنا المقام في هذا البلد»، فكأن شكواهم مأخوذة من سياق الآية (وإذ قلتم يا موسى، لن نصبر على طعام واحد، فادع لنا ربّك يُخرج لنا مما تنبت الارض)... ولِعصا الشيخ خوجلي فعلها في البحر وفي الصخر، مثلها مثل عصا موسى الوكزُ بها قاتل.. قال تعالى« ودخلَ المدينة على حين غفلة من أهلها، فوجد فيها رجلان يقتتلان، هذا من شيعته ، وهذا من عدوّه ، فوكزه موسي فقضى عليه».. نجد أن الكرامة السودانية، استعارت ذات العبارة، في تصوير عطب الشيخ خوجلي لسلطان الفور أثناء غارته على سنار، يقول ود ضيف الله «فرأى الشيخ خوجلي، بيده عصا، فوكزه بها، وكانت سبب موته».. أنظر: الطبقات، ص274. أنظر: سورة القصص، الآية (15) وكذلك نرى التشابه بين نار إبراهيم عليه السلام، ونار الشيخ عيسى ود كنّو، التي انطفأت حين وقف الشيخ قُبالتها، فقيل في مدحه : «ود كنَّو لما جاته الحالة، دقوا له الزّرداتْ والسُندالة٭ المولى سُبحانَهُ وتَعالى، خلّ النار لَه شلالة»..جاته الحالة، تعبير سوداني شائع ، يعني هنا الانغماس أو الاستغراق في الوجد، وهو حال ، يتبعه الايقاع ،من نوبة أو طار، أونحو ذلك. وفي حالة ود كنّو، يقول النّص: «دقوا له الزّرداتْ والسُّندالة» وهي أدوات للحِدادة ، أو هي «صِنَج» كالتي نراها بين أيدي المادحين، في خِضم ذلك، وقعت الكرامة، فكانت النار برداً وسلاماً،أو «شلالة»، مثل شلال الماء، أو مثل ماء مدلوق من شلال، وهذا المعنى يتساوق مع الآية «يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم»..وهذا النص وأضرابه، يمكن أن يؤخد كنموذج لتفاعُل ثقافة الهجين مع معاني ومغاني القرآن . مثل ذلك أيضاً، إستدعاء الكرامة للنّص المقدس في قصة بقرة بني إسرائيل، وفي قصة ضيف ابراهيم،حيث تُتَّخذ البقرة وسيطاً، إلى المعرفة، والتداوي، والانجاب. وفي هذا الصدد،أنظر: الكرامات المنسوبة للشيخ عووضة شكّال القارِح، الطبقات، ص274-275. هذه الكرامات وغيرها، كمخاطبة الأولياء للجّماد، والحيوان، والعروج إلى السموات، وتقريب البعيد، وعَطْب الظالم، إلخ.. كلها تُعد أثراً تاريخياً على إنتشار مجالس التلاوة، واستظهار الآيات، وذيوع نصوص الأحاديث، وأخبار السيرة النبوية، بين الناس.. من نماذج اقتباس الكرامة عن السيرة، كرامة نسْج العنكبوت على رحل الشيخ عمار بن عبدالحفيظ، وكرامة الشيخ شرف الدين العركي الذي وُلِدَ مختوناً..انظر: الطبقات: ص134.أنظر: محمد خير علي محيسي، نقد بين الفكر والدين، ط1، مطبعة المجد، ام درمان 1976، ص86.ولمّا كانت الكرامة خارجة من مناجم الصوفية، فقد سطت عليها آدابهم ومواجدهم، فتقرأ في نصوصها،عن ممارسة التوسل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والترقي إلى درجة التشُّيخ على يديه ، بأخذ الوِرد كفاحاً، وذاك مشهد يحتفي به قادرية السودان ،إذ هو مشهد شيخهم حسن النّادِر،حسن ود حسونة..