حتى عهد قريب لم يعرف المجتمع السودانى تأجير مواقع سكنية يتم تجهيزها من قبل المالك بالأثاثات والأدوات المنزلية وعرف هذا المجتمع فقط تأجير المنازل بلا فرش وبلا أثاث والسكن المجهز هو فقط الديوان الذى تفكر فيه الأسر قبل غرف النوم لإكرام الضيوف بلا مقابل إلا أن السودانيين الذين درجوا على السفر وقضاء اجازاتهم خارج البلاد للدول القريبة منا تعاملوا مع السكن المفروش من شقق وفلل ومنازل . الصورة الذهنية التى ارتسمت عن الشقق المفروشة لأولئك الذين يتعاملون معها تشوبها شوائب كثيرة ومواطنو الدول التى عرفت هذا النوع من أنواع السكن ينظرون الى سكان الشقق المفروشة بشيئ من الريبة بل لايستطيع مستأجرو الشقق المفروشة فى أغلب الأحوال الإندماج مع سكان البنايات الذين يمتلكون شققها وكما تنقل لنا الأفلام والمسلسلات الصورة فى هذه البلاد أن العريس يحط من قدره وقدر عروسه وأهلها إن زفت عروسته الى شقة مفروشة . والشقق المفروشة فى البلاد التى عرفتها من زمان بعيد ارتبطت بممارسة الكثير من الممارسات الشائنة وارتكاب الجرائم رغم أن الأعداد المقدرة من طلاب العلم والأسر من غير مواطنى هذه البلاد هم الذين يستأجرون هذه الشقق ولا يفكر أمثال هؤلاء فى إقتراف أى جريمة مما ذكرنا دعك عن ارتكابها ولكن هى الصورة التى ارتسمت عند الشارع وغذتها من بعد ذلك الأعمال الدرامية ونشر أخبار الحوادث والجرائم على صفحات الصحف . مع التطور الذى حدث فى المجتمع السودانى وظهور طبقات فوق الطبقة المتوسطة وازدياد غنى الطبقات الغنية أصلاً وظهور أغنياء جدد ومع حاجة البلاد التى انفتحت على العالم الخارجى استثماراً وتجارة وعمالة وطلب علم الى زيادة الطاقات الايوائية من فنادق وبنايات ظهرت الشقق المفروشة كناتج طبيعى لهذه التطورات التى تشهدها البلاد وعزز ذلك أيضاً أثار الاغتراب من ناحيتى عرض بعض المغتربين منازلهم وشققهم مفروشة واستئجار البعض الاخر من المغتربين شققاً مفروشة لأبنائهم الذين تركوهم فى وطنهم لمواصلة تلقى العلم فى الجامعات والمدارس . ونقلت ذات الصورة عن الشقة المفروشة التى ارتسمت خارجياً إلى بلادنا وارتبطت هذه الشقق عند الكثيرين بالممارسات اللاأخلاقية وارتكاب الجرائم وبدأت وسائل الإعلام خلال العامين الماضيين ومع ازدياد عدد الشقق المفروشة بالبلاد واكتشاف أن بعض الجرائم الغريبة على المجتمع قد ارتكبت فى شقق مفروشة فكان ذلك داعياً الى دق ناقوس الخطر . حضرت خلال اليومين الماضيين نقاشاً حول قضية الشقق المفروشة وكانت أطراف النقاش الجهات المعنية المرخصة والمنظمة والمراقبة والمالكة والوسيطة كان الطرح موضوعياً ومسؤولاً ومتوازناً وكانت المعلومات متوفرة لحد كبير وتبعث على الاطمئنان خاصة وأن ايجابيات كثيرة عائدة من الإيجار المفروش على ملاكها والمستفيدين منها وأن الجرائم التى ترتكب فى هذه الشقق لاتشكل قلقاً زائداً وأن السلطات مطمئنة لمحاصرتها وقطع دابرها وربما يأتى القلق فقط من أن ايجار هذه الشقق لايتم فى كثير من الأحيان علناً وفى الهواءالطلق وأن المؤجر لايستوفى المعلومات عن المستأجر ورغم الجهد الذى يبذله اتحاد الشقق المفروشة واتحاد المكاتب العقارية فإن بعض الملاك يتجاوز هذه الاتحادات ويتعامل مع جهات غير مخولة أو سماسرة الشنط الذين يتخذون من الأسواق وظلال الأشجار والشوارع مواقعاً لممارسة هذا النشاط وحسب التقارير الرسمية فإن أكثر الجرائم هى جرائم الدجل والشعوذة والإحتيال وهى التى تتخذ من الشقق المفروشة ساتراً بالإضافة الى الممارسات اللاأخلاقية وتعاطى مايذهب العقل . التعامل السودانى البسيط مع الآخر والثقة الزائدة فى مثل هذه المعاملات مع أطرافها صارت تؤدى فى معظمها الى قضايا جنائية وتورد من يتعاملون بمثل هذا التعامل الطيب والعفوى موارد الهلاك علينا الإستيثاق والتثبت والكتابة بشهود حاضرين وهو أمر ربانى واجب الطاعة والفعل «فاكتبوه» .