قد كان لي، في تسعينيات الماضي وطنٌ، لكن الشيخ أبى..! لستُ وحدي، لولا أنه: «طال ليلي والأزاهيرُ نيام»..! شريف يغازل الفراش في بوح شفيف الشعر من نفس الرحمن مقتبس... والشاعر الفذ بين الناس رحمان... بهذه المعاني القيمة، ذات الوصف الصادق الدقيق، الذي يحكي عن مقام الشاعر وقدره، إبرازاً لدوره المؤثر في الرصد والتعبير.. صادفت أيام الفاتح من أبريل الجاري، مرور الذكرى الأولى لرحيل الشاعر محجوب شريف، بحساب الأيام والأسابيع. إنصرم عام كامل منذ أن بارح شاعر الشعب الدنيا في رحلته الأبدية، ينعم بجوار رب غفور، وسعت رحمته كل شيء... كثيرون من المهتمين، وذواقة الشعر والحرف الأنيق، يعرفون المرامي والأهداف التي انطلق منها محجوب شريف تعبيراً صادقاً تحمله قصائده.. التي أوقفها كلها أو جلها، لشرح أحوال الغلابة والمتعبين، الذين استعار لسان حالهم، سبراً لإغوارهم، وتبياناً لحالهم، حتى بات أغلبهم يملأ رئتيه ويتنفس هواء نقياً من خلال تجواله بين ثنايا المفرده، وأبيات القصيد عند محجوب شريف.. لا أدعي إن ثمة علاقه وطيدة كانت تجمعني بالراحل الكريم، ولا أذكر في حياتي كلها، إني التقيته أو حضرت مجالسه العامرة، فقد أبى حظي أن يفعل ذلك، كبل الخطوات بقيود منيعة، فضاعت بعض فرص العمر، فلم نتمكن من إلتهام مخرجات الليالي التي مزق ود شريف عتمتها الحالكة بشعره البديع. كان الشاعر محجوب شريف محبوباً، تحيطه الجماهير بهالة من الثناء وفائق التقدير، تحس وتدرك إن شعره كله صوبه لملامسة قضاياهم.. استلهم مفرداته، وانتقى تعابيره، وحدد صوره من واقع حياة الكادحين.... رغم إختلافي الشديد مع الراحل محجوب شريف، في إطروحاته السياسية، وتفاصيل منهجه السياسي، الذي اتبعه والتزم جانبه وعمل من أجله، يظل محجوب صاحب عطاء متدفق من خلال رصده في شعره حياة البسطاء من غمار الناس، الذين جعلهم مصدراً يدفعه، ويحثه لكتابة الشعر الجميل.. لم يقتصر دوره على تأليف الشعر، وتدبيج القصائد، كان نموذجاً في التواصل الحميم والإحساس النبيل، فلا غرو إن تمددت ذكراه في كافة الاتجاهات بلمساته الإنسانية، وحنوه الظاهر، ربت على كتوف اليتامى، ومسحاً لدموع الثكالى، عبر منظمته التي رد من خلالها الجميل للغبش والحيارى والمعدمين.. قدم أنواعاً من الدعم المتواصل، نسأله تعالى أن يثقل له كفة الميزان... ظل محجوب، رطب اللسان، سمح الجانب، لين العريكة، يذكر ولا ينسى دوماً، بلاء الرواد السابقين الذين رفدوا دروب الحياة بفيض من تجاربهم الناجحة، التي ستبقى عنواناً يحكي عن عظمة أجيال اتسم أداؤها بالتفرد والسعي والابتكار، وفقاً لمنظومة أعمالهم التي طوقوا بها الأعناق.. أقول ذلك وتتراءى أمامي ملامح قصيدته التي كتبها في ديسمبر 1999م، يناجي عبرها فنان الأجيال الراحل عثمان حسين، تحية وإحتراماً لمشواره الحافل، القصيدة نزلت منازل الإعجاب في نفس عثمان، حفظها في قلبه وجعلها في خزانة مقتنياته الثمينة، الى أن عثر عليها ألأخ صلاح عثمان حسين، فأهدانيها في نسختها الأصلية في مأتم الفنان عثمان اليمني بمنزله بجبرة أبريل الماضي.. القصيدة ننشرها كاملة ضمن متن هذا المقال، لعلها تقع في دائرة اهتمام أحد الملحنين أو الفنانين، ليصبغوا عليها ألقاً من اللحن الجميل، ليتم تقديمها كأهزوجة رئيسية في ليلة ذكرى الفراش،التي تعتزم منظمة الفنان عثمان حسين إقامتها في يونيو إحياء لذكراه إذا توفرت أسباب المال، التي أطاحت بالإحتفال والآمال في العام الماضي.. أنشر أبيات القصيدة، وفي خاطري يلوح اسم الفنان الرقم أبوعركي البخيت، ليغمس أبياتها في نهر ألحانه الجاري، ويخرجها حلة زاهية مثلما فعل من قبل تجلة لعشاق الفراش. القصيدة استبقها شريف بإهداء وتقريظ جاء فيه.. (إليك يا عثمان حسين.. يازين.... وكنت ومازلت وستبقى.. مثل النهر والطمي والضفاف.. وعمتنا النخلة.. إليك مذاق حلوا في كل وجدان الشعب.. وطري كالندى.. وعذب كما الطفولة... هذا.. وهذه...لك من القلب...) (ردك شافي) ردك شافي تب عوافي نبعك صافي طبعك دافي، نبضك حار حيث الجمرة..برضو التمرة طي النسمة في الاعصار جوا البسمه كم إصرار نفس النار تضوي تدفي تحرق.. برضو نفس النار رغم الظلمة عالي القدرة يامولاي على الإبصار فيا حداث كما سواي باسمك حلق القوقاي وعلق جبتوا النوار وفكت ريقها جنبك في الضحى الأشعار وبتمناك أشوفك مثلما قد كنت وإنت بأجمل الأوصاف شمسك يابا طاقيتك مشنقه في سماك حمرا وساعة جيبك القمرا نجيماتك فناجين الكريم الطيب المضياف وكفك مقرن النيلين تقدموا في الحيا وتبرا تسن قلم الفجر تبرا وتكتب أحلى ما نقرا وتسرح شعرها الغابات تختها طرحتا الخضرا وتلبس دبلة الصحرا وتمتد السباته ضفاف وملح الخبز حريات... رحم الله الشاعر محجوب شريف، الذي مابارح الشعر دوحته، فقبل أن يسلم الروح ويجود بآخر الأنفاس بمستشفى تقى، نثر من كنانته جملة من القصائد، جعل إحداها طوق وفاء يزين جيد رفيقة دربه بت الجزولي التي قطعت معه رحلة المشوار... ضل التمر