أليس من الظلم أن أحبك بجنون وأنت لا تعلمين!! وأنا اشتاق إليك وأنت لا تدرين!! وأن أحدث عنك الدنيا وأنت لا تسمعين!! وأن أكتب قصائدي وأنت لا تقرأين!! وأن انتظرك الليل كله وأنت لا تأتين..) *** هذه الكلمات والمعاني هي لفنان شاب كتبها في صفحته الالكترونية. وأنا بدوري أصابتني (لوثة) شبابية على أثرها طرت معه بعيداً عن شيخوخة أرزح تحتها!! *** قرأت هذه الأسطر وتملكتني رغبة لأتقمص روح هذا الفنان الشاب الشفيق الذي يشكي لطوب الأرض ولا أدري هل هذا خيال فنان اقتبسه أم أنه قصة حقيقية فيها يعيش فترة نقاهة من صدمة عاطفية!! *** هذه المناجاة أيقظت في أعماقي«شبوبية» عابثة لم أجد لها معادلاً إلا الاستماع لأغنية عاطفية.. ووسط دهشة الشباب في داري استعرت(ذاكرتهم) وبدأت أبحث عن أنغام أتدثر بها؛ وكان من حسن الحظ أن أصادف أغنيات المرحوم الفنان النوبي صالح محمد موسى (ول ولي). بدأت باحثاً عن قصة (صفوت الحلفاوي) لأنها قصة كل أهل الفن وقصة كل أغنية! ولكن بعد برهة من التذوق غرقت في الألحان ونسيت دربي: أول ما صادفت أغنية (مسا وو دنيا مسا)، تبدأ الأغنية بمخاطبة مظالم الدنيا!!: تقول الأغنية وهي تخاطب «الدنيا»: لماذا تطلبين منا الصبر وأنتِ لا تنتظرين أحداً!! *** ثم تنتقل الأغنية إلى مخاطبة المحبوبة العصية: ما الذي دفعكِ للدلال هل هي المدرسة..؟ وهل هي التي أنستكِ لغتنا النوبية؟ لا تسير الدنيا كما تريدين يا أختاه! *** يندب العاشق حظه عندما سقط في جدول الساقية أمام منزل المحبوبة ولم يجد من يسعفه!!يقول: ما الذي قادني إلى داركم؟ انهارت قدماي ولم أجد من يسعفني؟ *** يواصل في عرض حاله: عشرة أشهر والمرض ينهشني (سمرة) صحتي تتأخر! ولكن هذا لا يهم..!! هذه قسمتي يا حبيبتي! *** ثم في نهاية المشهد يواصل الفنان خطابه للمحبوبة: شاركتِ في ذبحي وعندما سالت دمائي جئتِ تبكين!! ما الذي سأقوله أمام ربي! *** عقب هذه الأبيات أضاف الفنان المقلد لمسات موسيقية لا أعتقد أن الفنان ول ولي نفسه كان قادراً عليها! موسيقى شبيهة بمارشات عسكرية راقصة حزينة لم أتذوقها إلا في الموسيقى الجنائزية للراحل «جون قرنق» إيقاعات ملونة تحيل العاشق إلى درويش مرتبك بين (الكلام والرقص والصمت..) بعد برهة مفعمة بالصمت القلق.. قفز الفنان فجأة كما كان يفعل الفنان النوبي (ول ولي) ولكن إلى أغنية جديدة شبيهة بالأولى تبدأ بسؤال طويل: وهو (حب ايبا وله ذنبا وله نور أمرن خلافا) المعنى بالعربية هل الحب عيب أم العاشق مذنب أم أن هناك مخالفة لأمر الله ؟!! يشرح سبب المرض فتقول الأغنية: مرض قلبي عندما رسمك الله فيه! .. أين هم؟ أين ذهبوا؟ كل لله .. كل لله.. أنت سبب مرضي تركت السفر من أجلك أصبحت تائهاً هنا وهناك والحب يراودني ليلة إثر ليلة *** حتى( ذكريات ول ولي) ابنة هذا الفنان الراحل رغم لكنتها المستعربة (غير المحببة) وهي تغني بألحان والدها كأنها كانت تنادينا بصوت «الماضي السحيق»؟ (يا جميل سلانقى) أين تذهبين أيتها المحبوبة وأنا على فراش المرض: كيف السبيل إليك.. وأمامي الموج وخلفي الريح! لكأني أراها كالإوز على الشاطئ.. أقترب منها تطير.. *** عنايتك يا الله بسمرة وأمها *** «يا جميل سلانقى أنت ليه ناسياني» *** هكذا استيقظت على شيخوختي بعد سياحة شبابية ليست متاحة بهذه السهولة، ولكن إذا راحت السكرة تبقى الفكرة وهي: .. نعم في هذه الفتاة نبل وجلال والسحر فيها كأنفاس الربى، وإذا رآها (صفوت) تحيل ليله نهاراً، ناعمة يجرحها النسيم، ساهمة العينين كأحلام المساء ... كل هذا صحيح ومفهوم طالما كان رأياً لعاشق.. ولكن لا يجب أن ننسى ما قاله الفنان ول ولى (لا تسير الدنيا كما تشتهين يا أختاه).. حتماً سيأتي يوم لتصحو على أكاذيب الهوى؛ تذكر عدد القلوب التي هامت وعدد الفتيات الجميلات.. أين هم ؟.. بقي درس واحد هو : ذهب العمر هباء ! لا توجد فتاة في الأرض من بنات السماء ولا ملائكة تخلق من طين وماء.. يا عزيزي : (تعلم كيف تنسى.. تعلم كيف تمحو) يا عزيزي: (.. كل شيء بقضاء ما بأيدينا خلقنا تعساء)!! *** .. شكراً صفوت الحلفاوي.. على هذه السياحة؛ هكذا أنت شمعة من حريقك تنطلق الحياة.. ومصائب قوم عند قوم فوائد!!