تناولت الصحف بكثافة الأنباء التي صدرت في الأخبار عن اتجاه السلطات المحلية لمنع البقالات من بيع الفول بالصورة التقليدية الحالية.. وهنالك من يقول هذا القرار فيه قطع أرزاق بعض الناس.. ومن يقول إن وجود الفول بهذه الصورة يخفض من قيمة طلب الفول وهنالك من يقول الناس لو ما اتلموا حول صحن الفول على الأرض أمام البقالة لا يطيب لهم الأكل.. وقيلت الكثير من المبررات دفاعاً عن قدرة الفول في البقالات، لكن قد يكون من فكر في إصدار القرار كان مبرره الحفاظ على شوارع العاصمة نظيفة وجميلة ومتحضرة ولكن الأهم من كل ذلك ومن كل المبررات التي ذكرت هو صحة الإنسان وللأسف الشديد اطلعت على معظم ما كتب في هذا الموضوع ولم يتطرق أحد لأثر هذه الممارسة وغيرها من ممارسات أغذية الشوارع على صحة الإنسان السوداني وبالتالي هنالك اشتراطات صحية وضعتها وزارة الصحة قبل أكثر من نصف قرن في قانون يسمى قانون الرقابة على الأغذية به لوائح صارمة تحكم تداول الأغذية وإعداد الأطعمة لصالح صحة الإنسان. هذا القانون لا يمنع أي جهة من بيع الأطعمة للناس لكن هنالك اشتراطات صحية لا بد أن تتوفر في بيئة تحضير الطعام والأواني التي تحضر فيه والشخص الذي يقوم بتحضيره إلى جانب نوعية الطعام نفسه.. كل هذه الاشتراطات حق قانوني للمستهلك الذي يدفع المال ليأكل لا أن يصاب بالمرض، من هذا المنطلق السلطات المحلية مطالبة بأن تحكم الرقابة على تطبيق الاشتراطات الصحية على الصغير والكبير ما دام يقوم بتقديم طعام بالمقابل للمستهلك.. ومن حق المستهلك الذي يدفع المال أن تقدم له وجبة صحية في بيئة صحية وعليه أن يطالب بذلك قبل أن يبدأ في تناول الطعام.. لأن العلاج من أي مرض أصبح مكلفاً والمرض أقسى وأمر. إذا أخضعنا كل المعروض في الشوارع من أغذية ومشروبات للقواعد الصحية والعلمية نجد أن هنالك مخاطر لا حصر لها تهدد صحة المواطن.. ولنأخذ بعض الأمثلة بداية بقدرة الفول.. فهل هذه القدرة مصنوعة من المواد الآمنة والتي لا تشكل خطراً عند تعرضها لدرجة حرارة عالية.. حيث هنالك مواد معدنية تتحلل وتختلط بالفول؟.. وهل لا زال بائع الفول يغطي القدرة بكيس البلاستيك المتحلل؟.. جلوس الناس على الأرض حافة لتناول وجبة الفول.. هل فيه مخاطر صحية محتملة؟.. ثم ما يضاف للفول من زيت وبهارات وجبنة.. هل هي من مصادر سليمة؟.. ثم هنالك بائعة الشاي وبائعة الأطعمة الشعبية على الشوارع.. هل خضعت لأي فحوصات طبية وهل لديها كرت صحي كما ينص القانون.. علماً بأن الوبائيات في تزايد.. ثم كيف تنظف الكبابي التي يشرب بها مئات الناس.. الواقع يقول إنها تغمس الكباية في جردل ماء حتى ولو به صابون فبتكرار الغسيل يصبح الماء الذي فيه مستنقعاً للباكتيريا والفايروسات المنقولة من أي شخص مريض استعمل واحدة من الكبابي. نفس الشيء بالنسبة للأكلات الشعبية عصيدة ملاح وسلطة ودكوة.. الخ يتم تحضيرها في ظروف غير آمنة وبواسطة أشخاص يحتمل أن يكونوا من ناقلي الأمراض، ماذا نعمل؟ وفي غياب الرقابة أصبح الأمر واقعاً تزيد بتشجيع من المحليات التي تتحصل رسوماً مقابل هذا الوضع المشين وغير الصحي.. حتى أصبح هنالك مكان لتداول الأطعمة والمشروبات في كل ركن وكل شارع. رغم تفشي الأمراض بكل أنواعها خاصة أمراض المعدة والأمراض الناتجة عن الغذاء.. ورغم حدوث حالات تسمم جماعية بين الحين والآخر حتى في مؤتمر «المؤتمر الوطني» العام الماضي.. رغم كل ذلك لم تقم السلطات الصحية والأكاديمية بإجراء دراسات وبحوث حول تلك الظواهر الخطيرة.. ولم تتعامل مع الأمر بما هو مطلوب من إجراءات. إذا نظرنا للدول التي حولنا نجد أنهم كانوا في الماضي يعانون من نفس المشاكل لكنهم أوجدوا البدائل وأعملوا القانون وطبقوا اللوائح بحزم وكان الهدف الأول هو صحة المواطن. وقد يظن بعض الناس أن هذه الأماكن الشعبية لا تكسب كثيراً لكن العكس صحيح.. هذه الأماكن والمطاعم الشعبية خاصة التي لا تتقيد بالشروط الصحية.. مكاسبها أكثر من أرقى المطاعم ذات الخمس نجوم.. لذلك فإنه بمقدورهم تطبيق الاشتراطات الصحية المطلوبة والتي لا تكلف كثيراً. وأعتقد أن على الدولة أن تجري دراسة علمية اجتماعية لظاهرة أكل الشوارع وأن تشرك الباحثين والمتخصصين في إيجاد الحلول العلمية والعملية لمعالجة ظاهرة انتشار وتزايد أكل الشوارع والمطاعم والكافتيريات العشوائية المنتشرة في كل مكان. رئيس جمعية حماية المستهلك