٭ كتبت من قبل عدداً من المقالات تجاهلتها تجاهلاً تاماً كل إدارات المرور، وما أردتُ إلا إصلاحاً. وها أنذا أرسل هذه الحشرجة قبل الأخيرة في وادي الصمت الذي يخيم على فضاء المرور. ٭ وكنت دائماً في كتاباتي مسكون بأمرين: تنفيذهما من أسهل الأمور، فقد كنت أشير إلى قانون المرور الذي لا يجيز تغيير ملامح المركبة أو إضافة «حاجات» لم تأت مع المركبة أو لم تكن ضمن تصميم المركبة عندما حضرت لنا من بلاد المنشأ شاقة البر والبحور. ٭ وعندما تربعت «الركشا» ككائن له شخصية إعتبارية في تاريخ شوارعنا القديمة منها والحديثة، كانت في غاية التهذيب، لم ترفع صوتها في وجه المركبات العامة أوالخاصة، وكانت تسير بالقرب من الحيطة، ولكن عندما إمتطى صهوتها صبية رعناء لا يكادون يحسنون تصرفاً ركَّبوا لها أبواقاً جعلتها ترسل فرقعة وقعقعة وكأنها القعقاع بن أبي جلدة «على أيام الجاهلية الأولى» وبكل أسف ساهمت مساهمة فاعلة في تلوث ضوضائي ليس له مثيل. ٭ إن قوة الصوت تقاس بما يسمى الديسبل، ومعظم الآلات الموسيقية بما فيها آلة البوكولو التي ينفخ عليها الأخ الموسيقار أسامة لا تتعدى 106 ديسبل، والصوت المسموح به حسب مواصفات هيئة الصحة العالمية يتراوح بين 70 و80 ديسبل، وهو قوة الصوت الذي يطلقه الطفل الصغير وهو في مهده، وتسمعه أمه وهي في المطبخ . ٭ فالأذن البشرية تتوتر لأى صوت أعلى من ذلك، وقد قمت مع طلاب كلية الدراسات البيئية وعلوم الكوارث بقياس قوة الضوصاء التي تتسبب فيها الركشات في عدد من الأماكن كديوم الخرطوم والثورات والأسواق الشعبية، فكانت في متوسطها أعلى من 500 ديسبل، وبالضبط هذا ما أشارت إليه النشرة الصحية: Hypertension and various psychological difficulties can be related to noise exposure وتعني «أن إرتفاع ضغط الدم وبعض المتاعب النفسية يمكن أن تعود عند التعرض للضوضاء» ٭ والموضوع في غاية البساطة بأن يصدر مدير المرور أمراً قاطعاً يمنع فيه تركيب تلك الأجهزة التي تجعل الركشات تصدر تلك الأصوات المزعجة التي تقلق منام المواطنين في هدأة الليل وقبيل صلاة الصبح، وتلك الركشات ترسل تلك الأصوات المتضخمة بفعل الليل وهي توزع الرغيف على البقالات. ٭ والأمر الثاني طالبت به بعد أن لاحظت أن معظم الركشات سوداء اللون، جسمها أسود وغطاؤها أسود وأرضيتها سوداء. وفي أم درمان وحتى لو طليت بلون أخضر فهو أخضر غامق. وهي بهذا الشكل يصعب رؤيتها وخاصة عند غبش المغيب إلى دلوك الفجر، وبما أنها تتكدس في حواري وأزقة مظلمة وبعضها يعمل ليلاً أكثر منه نهارا،ً وسائقوها قد إعتادوا القفز من حين لآخر من حيث لا تراهم وتفاجأ بهم وتحدث الإصطدامات، فإني أقترح أن يُطلب من أصحابها أن يدهنوها بلون أصفر فاقع يسر الناظرين، لقد فشلت جهود المحليات في إنارة الشوارع، والظلام يخيم على 90% من الحواري والأزقة، و001% في أطراف العاصمة، وبما أن معظم الركشات تعمل بدون إشارات أو ألوان عاكسة، وأنهم لا يأبهون بما يقدّم لهم من توعية تنصحهم أن يركِّبوا إشارات حمراء في ركشاتهم، ولو قطعوا إيصالات الأولين والآخرين فإنهم لن ينصاعوا للتوجيهات، وعندئذٍ يجب البحث عن بدائل، والبديل المنطقي هو أن نجعل تلك الركشات التي إمتهنت العمل في الظلام ركشات مرئية. تُرى بالعين المجرًّدة، ولن يتحقق ذلك إلا إذا دهناها بلون أصفر فاقع، واللون الأصفر في الطبيعة هو لون التنبيه، وهو اللًّون الذي تراه العين من مسافة بعيدة. ٭ فهل ما طالبتُ به مستحيلاً كالغول والعنقاء والخل الوفي؟ غير أني لم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام، فيا أيها الأخ سعادة مدير المرور: بالله عليكم سكِّتوها وصفّروها، وعاشت الركشا معلماً من معالم حضارتنا الحديثة صفراء وبدون إزعاج.