في الحلقتين السابقتين تعرضنا لتناقض خطابي لرئاسة الأمانة العامة وأشرنا إلى أن رمزي الرئاسة متخففان تماماً عن الإيديلوجيا والنظرية وليست لهما علاقة راكزة بالمعارضة الشمالية إلى آخر تلك الصفات التي تجليهما كقائدين حريصين على نهايات منطقية للإتفاقية تضع حداً لثنائية الإنفصال أو الوحدة ، وأستعرضنا في الضفة المقابلة خطاب الأمانة العامة ومرتكزاته وتكتيكاته وقلنا أن رمزي الأمانه العامة باقان وياسر إختارا تنفيذ الجزء الأخر من تكتيكات الحركة التي آثرت منذ 2005 العمل مع الحكومة ومع المعارضة في آنٍ معاً هذا الخيار الذي أفاض الأستاذ ضياءالدين بلال في تشريحه والتحذير من مغبة مآلاته لأنه ينطوي على ثنائية متناقضة وعلى فصام بشع . بهذا التصنيف لايمكن لباقان وياسر التعاون مع المؤتمر الوطني لأن دورهما تم تصميمه وتسليحه وشحنه ضد المؤتمر الوطني وأي تبسم في وجه المؤتمر الوطني لايعد «صدقة» بقدر ما يعتبر خيانة تنظيمية لهذه المهمة فالمطلوب منهما المثابرة في هذا الدأب والترسخ في العناد والمغالاة في التشدد وإتخاذ مواقف نقيضة لكل مواقف المؤتمر الوطني فإذا سعى المؤتمر لرفع العقوبات الأمريكية على السودان ينهض باقان ويراطن الكونغرس ويبقى على العقوبات وإذا ناصر المؤتمر الوطني إجازة القانون الجنائي في شقه المتصل بحرمة فروج النساء إجترح عرمان من فقه الوثنية فهماً يجوّز « الزنا» حفاظاً على الوحدة الوطنية !!! أما إذا عقد المؤتمر الوطني زيجات جماعية فإن ياسر وباقان سيدعوان لا محالة «لزواج جماعي عُرفي» على خلفية التكليف التنظيمي المناهض للمؤتمر الوطني حتى في المناسبات السارة !! هكذا إتحدا ضد شريكهما والمدهش أن الحكومة التي يقودها الشريك الأكبر تدفع راتب هذه المعارضة الغريزية وتوّفر الحماية والتوقير وتشجّع هذه اللعبة المنتمية جوهرياً للممارسة الديمقراطية ولا تجد غباراً عليها لأنها من إستحقاقات نيفاشا ؟؟ أهم مطلوبات مثل هذه المهمة الحداثية المحتوى أنها تتطلب حضوراً دائماً في «الميديا» لأن قوامها الكلام ونتائجها النهائية هي الكلام أيضاً وقد جسّد باقان وياسر هذا الفهم أثناء إعتقالهما فكانا يتحدثان للبي بي سي والجزيرة وكل الصحف وهما رهن الإعتقال مضيفان للإعتقال فهماً يعارض فلسفته ، فإذا كان الإعتقال في معناه الأمني يعني منع العنصر الخطير من الإتصال بجاهيره فإن ياسر وباقان كسرا هذا الفهم بموافقة السلطات الأمنية نفسها ، وإذا كان يعني في تجلياته الفلسفية أنه نوع من «الموت المؤقت» فإنهما كانا يتكلمان من القبر !! الحضور الإعلامي الكثيف للسياسي دون سند مادي ودون منجزات رشيقة في بلد يتطلع للخدمات وليس للشعارات ضار بالسياسي ومن شأنه أن يضعه في « كنبة إحتياطي المهرجين » مستقبلاً شأنه في ذلك شأن التقرير التلفزيوني فكل عبارة لابد أن تقابلها صورة وكل صورة لابد أن تكون ذات علاقة با لحدث . يؤلمني أن صديقي الأعز ياسر عزل نفسه وأنفصل عن المعنى الخّلاق للراحل قرنق الذي كان بجانب تفرده السياسي وحسه الناضر يملك رؤية تنموية توافر لها منذ سنى دراسته بأمريكا وكان هذا مايميّزه ، أنا لم أسمع حديثاُ لياسر يتصل بالتنمية وبناء القدرات والتعبيد ورصف الطرق وتعلية الخزانات وأهمية السدود وتفجير الطاقات الإنتاجية وإعادة مشروع «أنزارا» وبعث قناة جونقلي موضوع أطروحة قرنق لرسالة الدكتوراة ، إختار ياسر موقع قلب الدفاع الذي يقطع الكرة ويشتتها في أي إتجاه دون اكتراث إلى أين تمضي. الثوري لايقبل القسمة على جوهره إذا كان يستند لنظرية ثورية حقيقية والدأب للإصلاح دأب كلي وليس جزئياً أليس من المعيب لحكومة الجنوب أن تكون أجمل عمارة في جوبا هي تلك العمارة التي بناها جهاز الأمن والمخابرات من عائدات الميزانية العامة في حين تعجز حكومة تتسلّم المليارات على بناء «عشة صغيرة نحرسا ليك بدموع عينينا » * حاشية : - حكمة لها علاقة بالنص - « الريش البقوم بعد الكسر ما بطيّر ».