التفاهمات تجري على قدم وساق بين كافة الأطراف المُتشاكسة، وأقوى علاقة، يمكن أن تتخيّلها، هي تلك العلاقة القائمة بين «حِزب الحركة الوطنية»، وبين النّادي الكاثوليكي..! أمّا الحفيد، فقد أُرسِلت في طلبه المراسيل، وحتماً سيعود بعد أن لوّعته الغربة، وطال عليه الأمد، ولا يُتوقّع منه أكثر من ذلك، ولا يمكن على رأي حسين خوجلي أن يكون لاجئاً في هذا العمر..! أقرب الاحتمالات بالنسبة للحفيد، أنّه سيصوم الشهر الكريم في هذا السودان العظيم.. ولن يعود الحفيد بمفرده، لأنّه في الوقت الرّاهِن يمهِّد الطريق ليدخل في شكل «مُتحرِّك»، يُعلِن عن حِزمة متكاملة من التبريرات التي يمكن وصفها بأنّها اشتراطات..! لن يعود الحفيد وحده هذه المرّة، بل ستتبعه قيادات و«أيائل».. فهناك من به شوق عارم إلى أجواء الخرطوم، وهناك مياه كثيرة تجري تحت جسور التفاوض، غير تلك التي جرت أساساً، بواسطة المناديب..! ومهما اختلفنا، فلا بد أن نتّفق على أن ما يحدث في بلادنا الحبيبة هذه، هو «صِراع الطّبقة».. وهو صراع «حميم»، وهو ليس سوى هذه «العَوّة» الضاربة بين قياداتنا السياسية.. فجميع قياداتنا تُمثِّل طبقة واحدة، لها مصالحها المشتركة التي تضطرهم إلى شيء من زركشة للمواقف بين حين وآخر، حتى تبدو العلائق بينهم في شكل خصام، بينما هي في حقيقة الأمر «اصطلام»..! وبالفعل، لقد توصّلت قيادات الحكومة والمعارضة إلى قاعدة متينة من التفاهمات، لكنّهم الآن كضرورة يتحركون داخل هامش المُلاسنات المعترف بها، والتي تؤثر إيجاباً على عملية تسويق المواقف، وتوفير مادة «اصطخابية» للصحف والقنوات، وتؤكد في ذات الوقت على دور تلك القيادات، وحضورها المُهِم في واجهة المشهد.. هذا ليس من عندياتي، إنه خلاصة موجهات لقاء برلين، وجوهر نداء باريس، وهو المبتغى المأمول حال اللّقيا بين الحكومة والمعارضة في أديس.. وغندور على علم، بأنه يحاور، و«يتفهّم» الكثير من تلك الأشواق، وإن كان قد يئس من التحاق عبد الواحد نور وعلي محمود حسنين لتلك الطاولة.. المأمول من تلك التفاهمات التي قطعت شوطاً بعيداً، حسب معلوماتي الحِراك هو إنتاج محاصصة.. حتى هذه اللّحظة قد يبدو الاختلاف شكلياً، أو إجرائياً حول ما يجري، أما جوهره، فمُتّفقٌ عليه، فالأفئدة تتقارب بالتراضي في اقتسام السلطة والثروة، مع الأخذ في الاعتبار، أن الذوق الشفيف يقتضي عدم التورُط في نيفاشا جديدة قد تؤدي إلى ضياع دارفور، أو تنفصل على إثرها النيل الأزرق أو ولاية جنوب كردفان.. وعلى أية حال، فهذه هي مُرافعة الأخ الكريم كمال عمر، الذي يؤكد أن مؤتمره الشعبي لن يسمح بعد اليوم بمزيد من التشظي في جسد الوطن.. وليكُن هذا صائباً.. فالمحاصصة المطلوبة بين كافة الأطراف تبتغي المشاركة في الحكومة الجديدة على اعتبار أن المؤتمر الوطني «سيخجل» من تلقاء نفسه، ويتخلى عن السُّلطة، ولن يُرشِّح أحداً من بِطانته لولاية رئاسية أخرى بعد انقضاء عمره الإفتراضي/ «الانتخابي»..! أي أنّه وبعد انقضاء سنوات الولاية الرئاسية الجديدة، يكون الإخوان، أو الحركة الإسلامية، أو المؤتمر الوطني، أو سمِّهم ما شئت، يكونوا قد مزّقوا فاتورة السلطة على مدى ثلاثة عقود.. القوى الدولية التي تلعب دور الوسيط بين أطراف الطبقة، تلوِّح بفكرة أن الإخوان استنفدوا كافة الفُرص السياسية، وليس أمامهم إلا تسليم السلطة في نهاية ولاية البشير، ويجب على المعارضة أن تتسلل إلى جسد الدولة وتشكل حضوراً يؤهلها لإدارة البلاد في المستقبل، بعد انسحاب الإخوان «المُرتقب».. من أجل هذه «الحدّوتة» سيعود الحفيد في عملية جديدة، ربما يختار لها اسم «تُنافِحون»..!!