الأستاذ الصحفي حيدر طه عبد اللطيف، صاحب الابتسامة التي لا تنطفئ.. حيدر النّاصري، كان له في خدمة الشعب عرق.. كان ملاكاً في هيئة انسان.. انساناً مثابراً نادر المثال، بعث فينا أملاً في الغد الرحيب، وحبّب إلينا إرادة التغيير... عاش بين الناس مثل نفحة عطر ورحل .. أقامت لجنة تأبين الفقيد لقاءاً في ذكراه، ويا لها من ذكرى أزاحت أثقالاً من الأحزان.. تلاقى أحبابه وعارفي فضله، فامتلأ المكان بالصدى، صدى ذكريات الفقيد معهم في دروب الحياة المتعرّجة، فتبددت فكرة الموت وانقلبت حالة الأسى إلى إحتفاء بهيج بسيرة الرجل العطرة.. ومثل حيدرلا يموت، فهو من القلائل الذين يصدق فيهم كل طيب الثناء، وكل ما يمكن أن يقال في حقه من عبارات الشكر والعرفان، يُعد قليلاً، ولا يرقى إلى مستواه في دماثة الخلق وطيب المعشر و نقاء السريرة.. ٭ ولد حيدر طه في نهاية الاربعينيات، وتخرّج في بداية السبعينيات من الجامعة، وكان حاضراً في كل الأحداث الوطنية، منذ أكتوبر 64 وحتى رحيله المفاجئ في غربته، التى انتهت به إلى دولة الإمارات العربية المتحدة..كان حيدر السياسي والصحفي، مثالاً لشجاعة الموقف وصدق التوجه ونكران الذات.. كان قلماً رصيناً يمارس السياسة والصحافة كطقس تعبّدي مقدس، وبمحبة خالصة للآخر.. حيدر طه انسان خالٍ تماماً من النرجسية، يسبر غور القضايا الوطنية بتجرد، فلا تكاد تتلمس موقفه الحزبي، لكونه يغوص عميقاً في البحث عن الحلول، لا يشغله عن ذلك الهدف غير شاغل الهم الوطني .. كان فرقاء السياسة يلتقون عند صخرته، فقد كان حكيماً واشتراكياً بالفطرة، لا اشتراكياً كتلك التي تُقرأ في بطون الكتب، أو تلك التي تقال فوق المنابر، وإنما كان يجسدها..هكذا كان دأبه بين الناس.. جاء تكريم حيدر طه، أمس الأول بقاعة الشارقة، و كما قال أخاه الأكبر، بمثابة تكريم لكل إنسان»نظيف» في هذا البلد.. وقد طرحت في تلك الذكرى تساؤلات عديدة، لعل مجالس السودانيين تتوقف عندها، فهي أسئلة لا مناص منها ، لخصيصة الجاثمين فوق صدور الناس... لماذا تلفُظ هذه البلاد الطيبة بنيها الابرار، وترمي بهم بعيداً عن ترابها .. وإلى متى تقسر هذه «الأوضاع» أبناء البلد الخيرين النابغين على المهاجر، فتتلقّفهم دولاً أخرى تستفيد من خبراتهم، بينما يحتاجهم هذا الوطن..!؟ وماذا جنينا من مشروع التمكين الذي تسبب في غربة حيدر طه وأمثاله، لم تكن جريرتهم سوى أنهم أحبوا هذا البلد..؟ مثل كثيرين، غادر حيدر طه أرض الوطن إثر فورة التمكين الاخوانية، فخلف من بعده خلف «أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات»، فهو حيدر طه الحائز على أعلى الأصوات في إنتخابات نقابة الصحفيين السودانيين أيام الديمقراطية، وقد انتخب عضواً بالمكتب التنفيذي للنقابة حتى حل النقابة في الثلاثين من يونيو، وهو الكادر الإعلامي المتميز وصاحب العقل المستنير، الورِع و الحصيف و الأديب، الذي لم يجترح كلمة أو لوماً في حق أحد.. كما كان استاذاً و معلِّماً لنا، ولهم أيضاً في صمته و صدقه و صبره واحتماله للآخر، وكم يتعذر علينا الآن، اصطياد أزاهيره.. رفد حيدر طه المكتبة السودانية بكتابين هما « الأخوان والعسكر» ، و»عندما يضحك التاريخ ، الجيل الثاني.. وتراجيديا السياسة السودانية»، وستصدر للفقيد العظيم كتب أخرى، على يد رفيقة دربه، الأستاذة الصحفية أماني لقمان.. ألا رحم الله فقيد الصحافة والسياسة السودانية، الأستاذ حيدر طه.. اللهم أجعل نزله الفردوس الأعلى، وأجعل غربته التي عاشها من أجل خلاص هذا الشعب، تاجاً فوق رأسه .. تحية وسلاماً على هذا الروح الشفيف في العالمين..