٭ لو أن الأخوة من السودانيين المقيمين بدولة الإمارات العربية المتحدة عرفوا معالي أحمد خليفة السويدي وزير خارجية الإمارات السابق كما عرفته أنا لعرفوا رجلاً صواماً قواماً يكاد وجهه يضيء من كثرة السجود.. ذات يوم وأنا أتجول على أطراف مدينة العين الإماراتية وجدت عدداً من العمال ينثرون أكياساً من حبوب القمح على أطراف من الوادي.. قال لي أحدهم: إن معالي الوزير قد أمرنا بفعل ذلك لإطعام العصافير.. فقلت لنفسي ما أعظم هذا الرجل الذي يبحث عن الأجر بين أجنحة العصافير. ٭ لو أن الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي استمر في رفض دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي حين طلب منه العلاج خارج مصر لذهب إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي بنفسه لإقناعه بالعلاج في الخارج.. وذلك لمعرفته التامة بأن مكانة الأبنودي عند شعب مصر لها عظمتها.. ويحكى أن زوجة الأبنودي التي قاسمته حياة حافلة بالنضال تقاسمت معه برودة الأيام ودفء ربيعها.. ذكرت مرة أن عيون مصر كانت عزيزة عليه أكثر من عيونها. ٭ لو أن كل فنان سجل سهرة فنية في إحدى الإذاعات أو القنوات الفضائية طالب هذين الجهازين بتأمين حقوق الشعراء والملحنين لما ضاعت حقوق هؤلاء الذين يزرعون الياسمين للأجيال ولا ينالون منه إلا نفحة من عطر عابر.. الفنان الوحيد الذي رفض أن يسجل سهرة لواحدة من القنوات الفضائية إلا بعد تأمين حقوق الشعراء والملحنين كان الفنان أبوعركي البخيت.. وأعتقد أنه فنان جاء من زمن آخر. ٭ أثناء زيارة قام بها الشاعر صلاح أحمد إبراهيم لأحد أصدقائه في إحدى الولاياتالأمريكية أصر عليه عدد من الطلاب السودانيين المقيمين هناك.. أن يلبي دعوتهم في إقامة أمسية شعرية يحضرها عدد من المهتمين بالأدب السوداني من مختلف الجنسيات.. جاء وعد الأمسية فوقف صلاح على خشبة المسرح ليقرأ عليهم قصيدة (دوريان قراي) فصمت الجميع وهم يستمعون إليه يحلق وحين انتهت الأمسية سألته طالبة أمريكية وقد انبهرت به من أين جئت بهذا الجمال؟.. فقال لها من مدينة مرهقة العيون اسمها أم درمان. ٭ نظرت إلى المرآة وهي تتأمل عدداً من النجوم البيضاء تتنقل بين ضفائر شعرها الأسود الطويل فتنهدت وهي تقول لنفسها لقد بدأت النجوم البيضاء في التمشي الآن على الضفائر وغداً على العيون وبعدها يتجعد الوجه النضير وعندها يتم إسدال الستائر ولا يبقى على المسرح إلا أنا وبقية من ذكريات متناثرة.. لم تكن تعلم أن زوجها كان ينظر إليها وهي تخاطب نفسها فقال لها تأكدي إذا احترقت الحديقة بأن العطر سيبقى ثم قبلها على ضفائرها وهو يبتسم. ٭ لو أن الفنان محمد وردي تنازل عن اعتزازه بنفسه قليلاً لظلمها.. كان يقول دائماً إن من حقي أن أعتز بنفسي فأنا أملك رصيداً هائلاً من مناجم الجمال أثمر إبداعاً تشهد به كل نخلة في الشمال وكل برتقالة في الشرق وكل نسمة أطلت من الغرب لتناجي زهرة من الجنوب.. وحين تكالبت على الورد أوجاع السنين وبدأ في الذبول.. تواصلت ابتسامته إلى أن رحل مبتسماً.