استشرت الكراهية بين كثير من فئات المجتمع السوداني بصورة واضحة للعيان، مما يهدد التسامح والبساطة التي ميزت السودانيين على مر العصور، وقد ظهرت الكراهية بوضوح بين القبائل وبدأت تتغلغل داخل الأسره مروراً بالشارع، حيث بدأ تبادل الاتهامات بين فئات المجتمع المختلفة، وتنامت هذه الظاهرة حتى أثرت في سلوك المجتمع وانعكست سلباً من خلال ارتفاع معدل الجريمة بصورة كبيرة، مما يدلل على ذلك زيادة عدد نزلاء السجون. يرى المواطن مهند عثمان أن الشخصية السودانية متسامحة، والمجتمع السوداني يعرف التباين بين كل قبيلة وأخرى إلا أنه قال إن العلاقة بين السلطة والمجتمع شوهت ملامح الشخصية الوطنية، وحلت القيادة القبيلة محل الشخصية الوطنية التي كانت تجد القبول من كل الأطراف باعتبارها لا تعمل لصالح قبيلة بعينها. خلاف وغضب: الباحثة الاجتماعية ثريا ابراهيم تشير الى أن الوضع الاقتصادي قد ساهم بشكل كبير في انتشار الكراهية.. وقالت على مستوى الأسرة نشاهد خلافاً وغضباً بين الأزواج مشيرة الى أن الحياة أصبحت تقاس بعامل الربح والخسارة وبحسابات دقيقة.. وقالت هناك زيجات فشلت بسبب الالتزامات المالية، وكذلك انشغال الأسر بوسائل التواصل الاجتماعي، ما خلق عدم ترابط أسري وقالت إنه يمكن أن يكون أحد أسباب الكراهية بين الناس، كاشفة عن انتقال الكراهية الى أماكن العمل لعدم وجود قوانين فاعلة تضبط وتحدد صلاحيات كل شخص، وكذلك التميزالسلبي بين العاملين وقالت لا يمكن إغفال الدور النفسي في هذا الجانب وأبانت أن هناك أشخاصاً يكرهون (لله في لله) دون سبب، ودعت ثريا الى عدم تقييم الإنسان بمظهره وعدم الحكم على الإنسان من الوهلة الأولى وقالت إن التدخل في شوؤن الآخرين يعتبر عاملاً أساسياً من عوامل الكراهية . العاب قاتلة أما إمام وخطيب مسجد الثورة الحارة 95 راشد التجاني فيرى أن الإعلام الخارجي وما يعرضه من ضرب وقتل أسهم في تغيير الشخصية السودانية منذ النشأة، فنلاحظ أن العاب الأطفال اليوم كلها تدعو وتقوم على العنف كالمسدسات والقنابل والألعاب النارية، والكراهية تعني البعد عن القيم الدينية وعدم احترام الوالدين ومراعاة حقوق الجار وصلة القرابة. نشر العنصرية الممثل الكوميدي حامد كسلا أقر بارتكابهم ككميديين لأخطاء تاريخية من خلال تناولهم القبيلة في النكات لكنه قال إن الأمر تم بنية حسنة ودون قصد إلا أن الأمر كان له جانب سلبي في نشر الكراهية بين بعض القبائل السودانية، وأصبحت واحدة من أسباب نشر العنصرية، وهو شيء غير حميد، واعترف بارتكابهم أخطاء في حق الشعب السوداني، وطالب السماح والعفو من كل من تأذى مما طرحوه، باعتبار أن نتائجه أحدثت شرخاً بين المجتمعات والقبائل السودانية من خلال التقليل من شأن قبيلة معينة، مما سبب كراهية وسط المجتمع السوداني بوجه عام والقبائل بشكل خاص، ولكن يجب أن نكون صريحين ونعترف بالخطاء الكبير، وقال أنا شخصياً اعتزلت النكات القبلية منذ مدة، وحتى النكان التي اتناولها هذه الأيام أذكر فيها مصطلح (بلدياتنا)، وطالب حامد الجميع للعمل على معالجة الكراهية التي تفشت وسط هذا المجتمع المتسامح، وأبدى سخطه على بعض الكتاب الرياضيين في الهلال والمريخ لما يقومون به من نشر الكراهية بين جماهير الناديين، داعياً بعض كتاب الصحافة الى أن يرتقوا بمفرداتهم وأن يتقوا الله في ما يكتبونه، حتى لا يندموا في وقت لا ينفع فيه الندم، كما انتقد حامد الغناء السوداني لتناوله لبعض المفردات الغنائية التي تعمق وتزيد من الكراهية مثل ( تاني مابقبل عليك) و(في ستين ) و(الدمعة لو غلبها النزول حرمانة ما تنزل اليك) كما لم يستثني الشعراء الذين كتبوا أشعار روجت أو كرست للكراهية بصورة واضحة مثل (أنا بكرهك) وغيرها من القصائد التي أصبحت في لسان كل سوداني، فإذا كان الغرض الرحيل، فالرحيل يمكن أن يكون بالمعروف على أن يحفظ كل طرف الأشياء الجميلة للطرف الآخر تغيرات جذرية يرى أستاذ الصحة النفسية وعلم النفس البروفيسور علي بلدو أن مياهاً كثيرة جرت تحت الجسر وأدت الى تغيرات جذرية في الشخصية السودانية نتيجة لتفاعلها مع الواقع، هناك عوامل كثيرة متداخلة كانت محصلتها حدوث انقلاب في القيم جعل من الشخصية السودانية المتسامحة والبسيطة والسهلة والتي تحب العفو وتنبذ العنف تقوم بالكثير من الظواهر التي تعبر عن روح الكراهية بصورها المتعددة، وفسر بلدو ذلك من خلال محاور عدة أولها الكراهية الموجهة نحو الذات مثل الشعور باحتقارالذات والدونية والرغبة في ايذاء النفس كالإدمان والانتحار.. أما المحور الثاني فهو الكراهية الموجهة نحو الأشياء مثل عدم احترام البيئة والتعامل مع النفايات والإهمال، وعدم التقيد باللوائح والتمرد على السلطة وأيضاً محاولة تلوث الجو سواء كان سمعياً أو بصرياً أو ذوقياً، وحصر المحور الثالث في الكراهية الموجهة نحو الأشخاص الآخرين مثل العنف البدني واللفظي الذي يتمثل في المشاحنات والمشاجرات والألفاظ النابية، التي تعبر عن روح الازدراء وتحقير الآخرين والعدوانية، وكذلك الكراهية داخل الأسر بسبب عدم صلة الرحم والانفصال الأسري، جنباً الى جنب مع النزاعات القبلية وكراهية مجموعات عرقية معينة، وأيضاً الكراهية مابين الفرقاء السياسيين التي تحولت الى روح الانتقام والتشفي، وهنالك الكراهية الرياضية والتعصب الأعمى ومحاولة اغتيال الشخصيات، والإشاعات للنيل من الآخرين، ويختم بلدو حديثه بأن الكراهية أصبحت تغذى بالوافد الأجنبي والفضاء المفتوح، والتعامل غير الحكيم من القائمين على الأمر مع المواطن، بحيث أصبحت الحكومة تُكره المواطن عن طريق دفع الجبايات وارتفاع الأسعار، ويمكن أن يكره المواطن الحكومة والمواطنين الآخرين معاً، وتوقع أن يصل به الأمر الى أن يكره كل شيء مما يستدعي الوقفة مع النفس وتبني حوار داخلي مجتمعي ودعم نفسي لترميم الشخصية السودانية والعودة بها كما كانت.